للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وذكر صدر الإسلام أبو اليسر (١) أمّا الخلع على عبد آبق جائز، بخلاف بيع الآبق فإنّه فاسد؛ لأنّ النبي -عليه السلام- نهى عن بيع العبد الآبق (٢)، والبيع المنهيّ عنه فاسد، وما نَهَى عن الخُلْع على عبد آبق فلا يكون فاسدًا، وإذا صحّ الخُلْع يجب عليها تسليم العبد (٣).

وَعَلَى هَذَا النِّكَاحِ، يعني إذا تزوّجها على عبد آبق لم يبرأ الزوج عن ضمانه، فإن قدر عليه يجب على الزّوج تسليم عينه، وإن لم يقدر يجب تسليم قيمته كما هو الحكم كذلك ههنا، لأنّها لمّا طلبت الثلاث بألف فقد طلبت كلّ واحدة بثلث الألف وهذا لأنّ حرف الباء تصحب الأعواض إلى آخره.

فإن قيل: يشكل هذا بالبيع، فإنّ كل ما ذكره ههنا موجود في البيع ومع ذلك لا يجب ثلث الألف بحسب ما يقابله من المبيع، فإن الرجل إذا قال بعت منك هؤلاء العبيد الثلاثة بألف درهم كلّ واحد بثلث الألف، وقيل البيع في واحد بعينه لم يجز ولم يجب ثلث الألف بحياله، وأقرب من هذا ما إذا قال لها أنت طالق ثلاثاً بألف فقبلت الواحدة لم يقع ولم يجب شيء.

قلنا: الطّلاق لا يبطل بالشّرط الفاسد لقبوله التعليق بالشروط والإخطار، ولا كذلك البيع، وبعد ذلك التقريب ظاهر، وأمّا مسألة الطّلاق فإن الزّوج هنا راض بالبينونة (٤) مقابلاً بثلث الألف لمكان الإيقاع منه، وهناك لم يرض بالبينونة إلا وأن يكون بإزائها ألف ولم يوجد منه بعد الإيجاب ما يدل على الرضاء كذا في «الفوائد الظهيرية» (٥).

(وَإِنْ قَالَتْ طَلَّقَنِي ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ولو قالت طلّقني واحدة بألف أو على ألف فقال أنت طالق ثلاثاً طلقت بغير شيء، وعندهما طلقت مقابلاً بالطّلاق الأوّل بناء على أنّ المأمور بالواحدة إذا أتى بالنكث (٦) هل يكون إيتاء بالمأمور به، كذا ذكره الإمام التمرتاشي -رحمه الله-.


(١) محمد بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم، أَبو اليسر، صدر الإسلام البزدوي، ولي القضاء بسمرقند، انتهت إليه رئاسة الحنفية في ما وراء النهر، له تصانيف منها (أصول الدين) ويلقب بالقاضي الصدر، ولد سنة ٤٢١ هـ وتوفي في بخارى سنة ٤٩٣ هـ.
(٢) أخرجه ابن ماجه، كتاب التجارات، باب النهي عن شراء ما في بطون الأنعام وضروعها وضربة الغائص، (٢١٩٦)، وأخرجه عبدالرزاق في مصنفه، كتاب البيوع، باب بيع الغرر المجهول، (١٤٣٧٥).
(٣) ينظر: العناية شرح الهداية (٤/ ٢٢٤).
(٤) قوله: "حال البينونَةِ" البينونة: مصدر بَانَ يَبِينُ بَيْنًا وبينونة: إذا ذهب أو زال، فحال الفراق حال بينونة. ينظر: (المطلع على ألفاظ المقنع ص ٤٠٤).
(٥) ينظر: البناية شرح الهداية (٥/ ٥٢١).
(٦) نكث: النَّكْثُ: نَقْضُ مَا تَعْقِدُه وتُصْلِحُه مِنْ بَيْعَةٍ وَغَيْرِهَا. ينظر: (لسان العرب ٢/ ١٩٦).