للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَلَهُ أَنَّ كَلِمَةَ [عَلَى] (١) لِلشَّرْطِ، ولا يتضح تعليل أبي حنيفة -رحمه الله- أن على طريق التعليل الذي علّل به في «المبسوط» (٢)، حيث ادّعى أن كلمة على للشّرط حقيقة، وإنّما قلنا أنه لا يتم تعليله بدون دعوى الحقيقة؛ لأنّ لهما أن يقولا: لما كانت على مستعارًا (٣) للشرط فلم صارت تلك الاستعارة أولى من استعارتها بمعنى الباء، بل استعارتها بمعنى الباء أولى؛ لأن حقيقتهما للإلزام بالاتفاق والمناسبة بين الإلصاق (٤) واللزوم (٥) أكثر من المناسبة بين الإلزام والشرط.

وقال في «المبسوط»: قال أبو حنيفة -رحمه الله-: حرف على للشرط حقيقة؛ لأنّه حرف الالتزام ولا مقابلة بين الواقع وبين ما التزم، بل بينهما معاقبة، كما يكون بين الشرط والجزاء، فكان معنى الشرط حقيقة والتمسك بالحقيقة واجب حتى يقوم دليل المجاز، والطلاق مما يحتمل التعليق بالشرط، فلا حاجة إلى العدول عن الحقيقة إلى المجاز، وإذا كان محمولاً على الحقيقة والشرط يقابل المشروط جملة ولا يقابله جزءًا فجزأ فإنّما شرطت لوجوب المال عليها إيقاع الثلاث، فإذا لم يوقع لا يجب شيء من المال وبه فارق البيع والإجارة (٦)؛ لأنّ معنى الشرط هناك تعذّر اعتباره، فإنه لا يحتمل التعليق بالشرط؛ فلذلك جعلنا حرف على فيهما بمعنى حرف الباء (٧).

فإن قلت: يشكل هذا بالذي استعمل (على) في الطّلاق وأريد به معنى الباء فلو كانت كلمة (على) للشرط حقيقة لكانت هي على تلك الحقيقة في جميع المواضع التي يحتمل تلك الحقيقة، وجميع مواضع الطلاق يحتمل الشرط، ومع ذلك استعملت هي فيه بمعنى الباء، وهو فيما إذا قالت لزوجها: طلقني وفلانة على ألف درهم، فطلّقها وحدها كان عليها حصّتها من المال، بمنزلة ما لو التمست بحرف الباء.


(١) في (أ): تكرار.
(٢) المبسوط للسرخسي (٦/ ١٧٤).
(٣) الاستعارة: ادعاء معنى الحقيقة في الشيء للمبالغة في التشبيه، مع طرح ذكر المشبه من البين، كقولك: لقيت أسدًا، وأنت تعني به الرجل الشجاع. ينظر: (التعريفات للجرجاني ص ٢٠).
(٤) الإلصاق: تعليق أحد المعنيين على الآخر. ينظر: (التوقيف على مهمات التعاريف ص ٦٠)
(٥) الإلزام: ضربان: إلزام بالتسخير من الله أو بالقهر من الإنسان، وإلزام بالحكم ومنه {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى}. ينظر: (المرجع السابق).
(٦) الْإِجَارَةُ: تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ وَفِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِلْأُجْرَةِ وَهِيَ كِرَاءُ الْأَجِيرِ. ينظر: (المغرب ص ٢٠).
(٧) المبسوط للسرخسي (٦/ ١٧٤).