للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلت: إنما حملت هناك على معنى الباء؛ لأنّه لا غرض لها في طلاق فلانة، ليجعل ذلك كالشرط منها، ولها في اشتراط إيقاع الثلاث غرض صحيح كما قلنا، كذا في «المبسوط» (١)، فالمشروط لا يتوزّع على أجزاء الشرط حتّى إذا قال: أنت طالق ثنتين إذا دخلت هذه الدار وهذه الدّار، فدخلت أحديهما، لا تطلق ولو كان متوزّعًا على أجزاء الشرط لوقعت تطليقة واحدة بمقابلة دخول دار واحدة منهما.

بخلاف قوله طلقني ثلاثاً بألف وهي المسألة التي ذكرها في الكتاب قبيل هذه المسألة.

(وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَتْ طَلُقَتْ)، فقوله: لها أنت طالق بألف أو على ألف أو على أن تعطيني ألفاً أو خلعتك على ألف أو بارئتك (٢) أو طلقتك بألف، يقع على القبول في المجلس، وهذا يمين من جهته، فيصحّ تعليقه وإضافته ولا يصحّ رجوعه ولا يبطل بقيامه عن المجلس، ويتوقّف على البلوغ إليها إذا كانت غائبة لأنّه تعليق الطّلاق بقبولها المال وهو من جهتها مناطة فلا يصحّ تعليقها وإضافتها ويصحّ رجوعها قبل قبول الزّوج ويبطل بقيامها عن المجلس كذا ذكره الإمام التمرتاشي -رحمه الله-.

وقال في «المبسوط» إن قبلت في ذلك المجلس وقع الطّلاق عليها والمال دين عليها تؤخذ به (٣)؛ لأن كلام الزوج إيجاب للطلاق بِجُعل، وليس بتعليق بشرط الإعطاء، بمنزلة من يقول لغيره وبعت منك هذا العبد على ألف درهم، أو على أن تعطيني ألف درهم يكون إيجاباً لا تعليقاً، فإذا وجد القبول في المجلس وقع الطّلاق ووجب المال عليها، بخلاف قوله: إن جيتني أو إذا أعطيتني.

فإنه هناك قد صرّح بالتعليق بالشّرط فما لم يوجد الشرط لا يقع الطّلاق والدّليل على الفرق أنه هناك لو كان لها على الزّوج ألف فاتفقا على جعل الألف قصاصاً بما عليه لا يقع الطّلاق، وههنا يصير قصاصاً بالدّين الذي لها عليه، وقد يجوز أن يثبت الحكم بالقبول مع التصريح بالإعطاء قال الله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} (٤) الآية، وبالقبول يثبت حكم الذمة، فإذا ثبت أن الحكم هنا يتعلّق بقبول المال بشرط القبول منها في المجلس فإن لم يقبل حتى قامت فهو باطل، والطّلاق باين؛ لما قلنا وهو ما ذكر من الحديث والمعنى بقوله، ولأنّها لا تسلم المال إلا لتسلم لها نفسها.


(١) المبسوط للسرخسي (٦/ ١٧٤).
(٢) المبارأة: فهي مفاعلة وتقتضي المشاركة في البراءة، وهي في الاصطلاح اسم من أسماء الخلع، والمعنى واحد، وهو بذل المرأة العوض على طلاقها. ينظر: (الموسوعة الفقهية الكويتية ١/ ١٤٣)
(٣) المبسوط للسرخسي (٦/ ١٧٣).
(٤) سورة التوبة (الآية/ ٢٩).