للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(وَقَالَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْأَلْفُ إذَا قَبِلَ) فإِذَا لَمْ يَقْبَلْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ، فعُلم بهذا أنّ الخلاف في موضعين:

أحدهما: أن عند قبول المرأة أو العبد المال يقع الطلاق والعتاق مجاناً عند أبي حنيفة -رحمه الله- ولا يعتبر بقبولهما، وعندهما يجب على المرأة والعبد المال عند القبول (١).

والثاني: أنهما إذا لم يقبلا المال يقع الطلاق والعتاق أيضاً عند أبي حنيفة -رحمه الله، كما عند القبول، وعندهما عند عدم قبول المال لا يقعان، وعلى هذا الخلاف إذا قالت المرأة لزوجها: طلّقني ولك ألف درهم، وكذلك العبد إذا قال لمولاه: أعتقني ولك ألف درهم، هما يقولان: الطّلاق بالمال والعتاق بالمال عقد معاوضة، فالبدل المقرون بهذا اللفظ يكون عوضاً كما في البيع والإجارة (٢).

يوضحه أن الواو قد يكون بمعنى الحال، ولا وجه لتصحيح كلامه إلا أن يُحمل على ذلك، فيصير كأنّه قال: أنت طالق في حال ما يجب لي عليك ألف درهم، ولا يكون ذلك إلا بعد قبولها، وأبو حنيفة -رحمه الله- يقول: قوله أنت طالق إيقاع (٣).

وقال: (وَعَلَيْك أَلْفٌ) درهم، عطف فإن الواو للعطف حقيقة والكلام محمول على حقيقته حتّى يقوم الدّليل على المجاز، وأحد العوضين لا يعطف على الآخر، وكذلك الشرط لا يُعطف على الجزاء، فعرفنا أنّه ابتداء كلام غير متعلّق بما سبق فيبقى إيقاع الطّلاق والعتاق متعرياً عن البدل والشرط.

وقال (وَعَلَيْك أَلْفٌ) دعوى مال عليها ابتداء، وقولها ولك ألف درهم إيجاب صلة مبتدأة له فكان وعدًا منها إيّاه المال، والمواعيد لا يتعلّق بها اللزوم، ولأنّ أكثر ما في الباب أن يكون حرف الواو محتملاً لجميع ما ذكرنا والمال بالشّك لا يجب (٤).

بخلاف قوله: أدّ إلي ألفاً وأنت حرّ، لأنّ أوّل كلامه غير مفيد شيئاً إلا بأخذه،/ ٣٦٣ ب/ فإنّه يصير به تعليقاً للعتق بأداء المال، وههنا أوّل الكلام إن صدر من الزوج بأن قال: أنت طالق وعليك ألف درهم، كان إيقاعاً مقيدًا منه بدون آخره، فلا حاجة إلى أن يحمله على الحال وإن صدر منها فهو التماس صحيح منها على ما ذكرنا فلهذا لا يحمل على واو الحال، كذا ذكره الإمام السرخسي (٥) (٦) -رحمه الله-.


(١) ينظر: البناية شرح الهداية (٥/ ٥٢٤)، العناية شرح الهداية (٤/ ٢٢٩).
(٢) ينظر: العناية شرح الهداية (٤/ ٢٢٩).
(٣) ينظر: المبسوط للسرخسي (٦/ ١٤٢)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٣/ ١٣٧)
(٤) ينظر: فتح القدير للكمال ابن الهمام (٤/ ٢٣٠).
(٥) هو محمد بن أحمد بن أبي سهل، أبو بكر السرخسي، شمس الأئمة، قاض، من كبار الأحناف، مجتهد، صاحب المبسوط، أملاه وهو سجين بالجب، كان عالمًا، أصوليًّا، مناظرًا، توفي سنة ٤٨٣ هـ، سرخس: بفتح السين والراء المهملتين وسكون الخاء المعجمة، بلدة مشهورة بخراسان.
ينظر: معجم البلدان (٣/ ٢٠٨)، تاج التراجم (ص: ٢٣٤)، الجواهر المضية في طبقات الحنفية (٢/ ٢٨).
(٦) ينظر: المبسوط للسرخسي (٦/ ١٨١)