للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكذلك لو كانت حرّة فارتدّت عن الإسلام، ولحقت بدار الحرب (١) فسبيت واشتراها.

وكذلك لو طلّقها ثلاثاً فتزوّجت بزوج آخر ثم عادت إليه بالنكاح لا يحلّ له وطؤها حتى يكفر، وإن صحّ النكاح، ولو كفر بعدما أبانها أو طلقها ثلاثاً صحّ التكفير، حتّى لو تزوّجها حلّ له وطؤها؛ لأن صحّة التكفير لا يعتمد قيام الملك، ولو كان الظهار موقتًا إلى وقت، بأن قال: أنت عليّ كظهر أمي يومًا أو شهراً أو سنة، ثم مضى الوقت، يسقط الظهار عندنا خلافاً للشافعي -رحمه الله- (٢)؛ لأنّ الشرع جعل التكفير مزيلاً للظهار المؤبد أو المطلق حتّى تنتهي الحرمة والموقت ينتهي بمضي الوقت.

ويصح تعليق الظهار بالشرط؛ لأنّ الظهار سبب الحرمة فكان نظير الطّلاق، فيصحّ تعليقه بالشّرط كما يصح تعليق الطّلاق بالشّرط.

ولو علّق الظهار بشرط، ثم أبانها، ثم وجد الشرط لم يثبت الظهار؛ لأنّ المعلّق بالشرط عند وجود الشرط كالمرسل، ولو أرسل الظهار بعد البينونة لا يصحّ؛ لأنّ حكم الظهار حرمة موقتة وسببه تشبيه المحللّة بالمحرمة، وكلّ ذلك لا يتصوّر بعد ثبوت البينونة.

وهذا بخلاف ما لو علّق البينونة بالشرط، ثم أبانها، ثم وجد الشرط حيث يقع الطلاق؛ لأن البينونة إذا صحّ تعليقها بالشرط صار تقديره كأنّه علّق الطلاق البائن بالشرط فينزل عند الشرط طلاق بائن، وإيقاع الطلاق على المبانة صحيح.

وإذا ظاهر من امرأته مراراً في مجالس مختلفة أو مجلس واحد فعليه لكلّ ظهار كفارة، هكذا روي عن علي -رضي الله عنه- (٣) ولأن الظهار سبب الحرمة، واجتماع أسباب الحرمة في محلّ واحد جائز.

ألا ترى أن صيد الحرم [حرام] (٤) على المحرم لإحرامه ولكون الصيد في الحرم.

وألا ترى أن الخمر على الصّائم حرام لعينه ولصومه وليمينه إن حلف أن لا يشربها، فلهذا وجب لكلّ ظهار كفارة، إلا أن يكون عنى بالثانية والثالثة الأولى فحينئذٍ لا يلزمه أكثر من كفارة واحدة؛ لأنّ صيغة الإخبار والإنشاء فيه واحد، وهذه الأحكام والعلل كلها منقولة من «المبسوط» و «الإيضاح» (٥) و «التحفة» (٦) و «المحيط (٧) (٨).


(١) دار الحرب: هي كل بقعة تكون أحكام الكفر فيها ظاهرة. ينظر: فتح القدير للكمال ابن الهمام (١/ ٣٤٩)، الأم للشافعي (١/ ٢٩٨).
(٢) ينظر: المجموع شرح المهذب (١٧/ ٣٥٤)
(٣) الأثر: لم أجده عن علي، وإنما أخرجه أبو يوسف (ت ١٨٢ هـ) في الآثار (ص ١٥١) برقم (٦٩٣) بلفظ: «إِنْ أَرَادَ التَّغْلِيظَ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ ظِهَارٍ كَفَّارَةٌ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ ظِهَارَهُ الْأَوَّلَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَكَذَلِكَ الْيَمِينُ».
(٤) غير موجودة في (أ) و (ب)، ويستقيم المعنى بإثباتها، ينظر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٢٢٦)، المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٤٣٢).
(٥) كتاب الْإِيضَاحِ في شرح التجريد، لايزال مخطوط في ثلاث مجلدات مؤلفه عبد الرحمن بن مُحَمَّد بن أميرويه، أبو الفضل الكرماني: فقيه حنفي مولده بكرمان ووفاته بمرو سنة ٥٤٣ هـ. يُنْظَر: الأَعْلَام للزركلي (٣/ ٣٢٧).
(٦) تحفة الفقهاء لعلاء الدين محمد بن أحمد بن أبي أحمد السمرقندي المتوفى سنة (٥٣٩ هـ) والكتاب طبعته دار الكتب العلمية ببيروت سنة ١٤٠٥ هـ.
(٧) المحيط البرهاني في الفقه النعماني المؤلف: محمود بن أحمد برهان الدين مازه كتاب في الفقه الحنفي ثم اختصره. وسماه: (الذخيرة)، نشرته: دار إحياء التراث العربي. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (٢/ ١٦١٩).
(٨) ينظر: المبسوط للسرخسي (٩/ ١٥٧)، المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٤٣٢).