للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يعني كما أنّ في المشبّه بها يشترط أن يكون في لفظه كلّ بدن المشبّه أو ما يعتبر به كلّ بدن [المشبه بها فكذلك يشترط أن يكون في لفظه كل بدن المشبه أو ما يعبر به كل بدن] (١) المشبه، لتحقيق الظهار؛ فلذلك صار مظاهراً في قوله: رأسك عليّ كظهر أمي، كما لو قال: أنت عليّ كظهر أمي، ولم يصر مظاهراً في قوله: يدك عليّ أو رجلك عليّ كظهر أمي، كما لم يكن مظاهراً في قوله: أنت عليّ كيد أمي أو كرجل أمي؛ لأنّ التشبيه بالكل أو بما يعتريه عن الكل مشروط في الطرفين في كونه مظاهراً.

وذكر في «المبسوط» ولو قال جنبك أو ظهرك عليّ كظهر أمي لم يكن مظاهراً بمنزلة قوله: يدك أو رجلك؛ لأنّ هذا العضو لا يعبر به عن جميع البدن عادة (٢).

وإن لم يكن له نية فليس بشيء عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله.

وذكر في «المبسوط» (٣) وإن لم يكن له فيه فليس ذلك بشيء عند أبي حنيفة -رحمه الله-، وفي قول محمّد -رحمه الله- هو ظهار، ولم يذكر قول أبي يوسف وعنه روايتان: أحديهما كقول محمد؛ لأنّه قال في الأمالي (٤): إذا كان هذا في حالة الغضب، وقال نويت به البر لم يصدق في القضاء وهو ظهار (٥).

وعنه أنّه قال: إيلاء؛ لما أنّ الأم محرمة عليه بالنصّ قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} (٦) فكان قوله: أنت عليّ كظهر أمي، بمنزلة قوله: أنت عليّ حرام، وقد بينا في هذا اللفظ إذا لم ينو شيئاً يثبت أقلّ الوجوه وهو الإيلاء، وبنحو هذا يحتج محمّد -رحمه الله- (٧).

ولكنه يقول: هو ظهار لوجود كاف الخطاب في كلامه، فإنّ الظهار يختصّ بهذا الحرف، ومتى كان مراده أكبر بقوله: أنت عندي كأمي، ولا يقول: عليّ، إلا أنّه إذا نوى البر أقمنا حرف على مقام عند لتصحيح نيته، فإذا لم ينو بقي محمولاً على حقيقته فكان ظهاراً.

وأبو حنيفة -رحمه الله- يقول: كلام العاقل مهما أمكن حمله على وجه يحلّ شرعًا، لا يحمل على ما يحرم شرعًا (٨)، والظهار منكر من القول وزور، فلا يحمل كلامه عليه إذا أمكن حمله على معنى البر والكرامة، يوضحه أنّها كانت محلّلة له، وهذا الكلام يحتمل معنى البر ويحتمل معنى الظهار، ولكن الحرمة لا تثبت بالشك، كما لا يثبت الطّلاق بالشك، وألحق في رواية «الجامع الصّغير» قوله: مثل أمي، بقوله: كأمي، فعند أبي يوسف -رحمه الله- هو إيلاء، ليكون الثابت أدنى الحرمتين؛ لأنّ حرمة الإيلاء أدنى من حرمة الظهار لستة أوجه من حيث السّبب ومن حيث الحكم ومن حيث معان أُخَر (٩).


(١) سقطت من (أ).
(٢) المبسوط للسرخسي (٦/ ٢٢٨).
(٣) المبسوط للسرخسي (٦/ ٢٢٧).
(٤) كتاب الأمالي في الفقه، لأبي يُوسُف صاحب أبي حَنِيفَةَ، وهو من كتب النوادر في المذهب الحنفي التي أملاها أبي يُوسُف من مذهب أبي حَنِيفَةَ، بحثت عنه ولم أجد له طبعة، ولعله لا يزال مخطوطاً.
(٥) ينظر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٢٢٨).
(٦) سورة النساء (الآية/ ٢٣).
(٧) ينظر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٢٢٨).
(٨) ينظر: المبسوط للسرخسي (١٨/ ١٠).
(٩) ينظر: الدر المختار شرح تنوير الأبصار وجامع البحار (ص: ٢٣٩)، الاختيار لتعليل المختار (٣/ ١٦٢).