للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"فَيُعْتَبَرُ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ" ولكن بينهما فرق من حيث التفريق، وهو أنّه لا يجوز التفريق [ههنا] (١) بأن أدّى مَنًّا (٢) من حنطة إلى مسكين، ومَنًّا آخر إلى آخر فإنّه لا يجوز، وعليه أن يتم على ذلك المسكين، فإن لم يجد استأنف على غيره؛ لأنّ الواجب إطعام ستين مسكينًا فكان العدد معتبراً كالمقدار ومتى فرق لم يوجد الإطعام المعتاد للمساكين.

وأمّا في صدقة الفطر فإنّه إذا فرق أجزأه؛ لأنّ المعتبر ثمة المقدار دون العدد، لأن العدد مسكوت عنه فيجوز، كذا في مبسوط فخر الإسلام وشرح الطّحاوي (٣).

لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ إذْ الْجِنْسُ مُتَّحِدٌ، [أي] (٤) من حيث الإطعام وردّ الجوعة؛ لأنّ المقصود من البرّ والتمر والشعير الإطعام، فيجوز تكميل أحدهما بالآخر، وإنّما علّل هنا باتحاد الجنس؛ لأنّه إذا اختلف الجنس لا يجوز تكميل أحدهما بالآخر، حتّى أنّه إذا أطعم خمسة مساكين في كفارة اليمين بطريق الإباحة وكسا خمسة مساكين والكسوة أرخص من الطّعام لم يجزه؛ لما أنّ المقصود بالكسوة غير المقصود بالطّعام.

ألا ترى أنّ الإباحة تجوز في أحدهما دون الآخر ولو جوّزنا النصف من كلّ واحد منهما كان نوعًا رابعًا والمنصوص عليه ثلاثة أنواع لا غير ذكره في أيمان «المبسوط» (٥).

وأمّا إذا أعتق نصف رقبة وصام شهراً وأطعم ثلاثين مسكينًا إنّما لا يجوز؛ لأنّ نصف الرقبة ليس برقبة وإكمال الأصل بالبدل غير ممكن، فإنّهما لا يجتمعان فكيف يتحقّق إكمال أحدهما بالآخر.

فإن قيل: يشكل على قوله: "إذْ الْجِنْسُ مُتَّحِدٌ" ما إذا أعتق نصف رقبتين بأن كان بينه وبين شريكه عبدان فأعتق نصيبه منهما لا يجوز عن الكفّارة مع أنّ الجنس متّحد من حيث الإعتاق.

قلنا: إنّما لا يجوز؛ لأن نصف الرقبتين ليس برقبة والشركة في كلّ رقبة تمنع التكفير بها.

بخلاف الأضحيّة (٦)، فإنّ الرجلين لو ذبحا شاتين بينهما عن أضحيتهما جاز؛ لأنّ الشركة لا تمنع الأضحية كما في البدنة (٧)، كذا في «المبسوط» (٨).


(١) سقطت من (أ).
(٢) المَنُّ لُغَةٌ فِي المَنَا الَّذِي يُوزَنُ بِهِ، والمَنُّ كَيْلٌ أَو مِيزَانٌ. ينظر: لسان العرب (١٣/ ٤١٨).
(٣) ينظر: البناية شرح الهداية (٥/ ٥٥٤)، العناية شرح الهداية (٤/ ٢٦٩).
(٤) سقطت من (أ).
(٥) المبسوط للسرخسي (١٢/ ٨).
(٦) الأضحية: اسم لما يذبح في أيام النحر؛ بِنِيَّةِ القربة إلى الله تعالى. ينظر: (التعريفات للجرجاني ص: ٢٩).
(٧) البدنة: هي الناقة، سميت بدنة بالعظم إما لسمنها أو لسنها. ينظر: (غريب الحديث لابن قتيبة ١/ ٢١٩).
(٨) المبسوط للسرخسي (٧/ ١٠).