للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي الجنس المختلف كما في الظهار والقتل مفيد لاختلاف جنسهما، فلما صحّت النية عند اختلاف الجنس لم يعتق الكلّ عن القتل ولا عن الظهار، فلذلك لم يجز.

وحاصله أن عدم الجواز إنما نشأ من صحة تعيين النية، وذلك عند اختلاف الجنس، والجواز إنما نشأ من عدم صحة تعيين النية وذلك عند اتحاد الجنس.

وذكر في «الفوائد الظهيرية» أنّه نوى التوزيع في الجنس الواحد، فيلغو نيّة التوزيع، قياساً على ما قالوا فيمن كان عليه قضاء يومين من رمضان، فنوى من الليل أن يصوم غدًا قضاء عن اليومين، كانت نية التوزيع لغوًا منه، وإذا لغت نية التوزيع صار كأنّه أعتق رقبة عن الظهارين ولم ينو عنهما (١).

ولو كان كذلك جاز، وكان له أن يصرف إلى أيهما شاء هكذا هنا.

بخلاف ما لو كانت الكفارتان من جنسين مختلفين؛ لأنّه نوى التوزيع في الجنس المختلف ونية التوزيع في الجنس المختلف معتبرة.

ألا ترى أن من كان عليه قضاء يوم رمضان وصوم يوم من كفارة اليمين نوى من الليل أن يصوم غدًا عنهما كانت النية معتبرة حتّى لا يصير صائمًا، كذلك ههنا، ثم قال: قال -رحمه الله-: في هذا الوجه نوع نظر، فإنّه إذا نوى ظهرين من يومين لا يجوز، وإن كان الجنس واحدًا وما الفرق بين هذا وبين ما إذا نوى صومين من يومين؟ يجوز عن أحدهما لاتحاد الجنس.

قال الإمام الزّاهد الصفّار (٢): وليس هذا كصلوات الظهر متى كانت عليه، فإنّ نيّة التعيين فيه لازمة لكلّ يوم؛ لأنّ وقت الظهر من اليوم الثاني غير وقت الظهر من اليوم حقيقة وحكمًا أمّا حقيقة فلا ريب (٣).

وأمّا حكمًا فلأن الخطاب ما تعلق لوقت يجمعها بل بدلوك (٤) الشمس والدلوك في اليوم الأول غير الدلوك في اليوم الثاني.

بخلاف قضاء الأوّل الصيام من رمضان، حيث يكفيه أن ينوي قضاء رمضان، ولا يحتاج إلى التعيين أنّه من يوم السبت أو من يوم الأحد؛ لأنّ الخطاب تعلّق بزمان يجمعها فإنّه واحد، وحرمة الشهر ثابتة بصفة الامتداد من أوّله إلى آخره، فلمّا كانت الحرمة واحدة لا يشترط التعيين، حتّى قالوا في قضاء يومين من رمضانين يشترط التعيين، كذا ذكره القاضي الإمام فخر الدين -رحمه الله- في فتاواه (٥).


(١) ينظر: العناية شرح الهداية (٤/ ٢٧٥).
(٢) عَليّ بن الْحسن بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الصفار، الإِمَام أَبُو الْقَاسِم ابْن الإِمَام أبي عَليّ الصفار، النَّيْسَابُورِي، الْفَاضِل، البارع، ذُو الْفُنُون، جَاءَ نعية من أسفرائنفى رَمَضَان، سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَخمْس مائَة - رَحمَه الله تَعَالَى-. ينظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (١/ ٣٥٩).
(٣) ينظر: المبسوط للسرخسي (٧/ ١٠)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (١/ ١٠٠).
(٤) دلكت الشمس تدلك دلوكا: غربت، وقيل اصفرت ومالت للغروب. ينظر: (لسان العرب ١٠/ ٤٢٧).
(٥) ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٣/ ١٣).