للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإن قلت: ما فائدة تخصيص المرأة بكونها ممن يحد قاذفها، وهو الشرط كما هو شرط في جانب المرأة، فكذلك هو شرط -أيضاً- في جانب الرجل، حتّى أن الرجل إذا كان ممّن لا يحدّ قاذفه لا يجري اللعان -أيضاً- وإن كانت هي ممّن يحدّ قاذفها؟.

قلت: إنّما اشترط كونها ممّن يحدّ قاذفها؛ لأنّ اللعان قائم في حقّه مقام حدّ القذف، فلابدّ من إحصانها حتّى يقع موجباً ما هو قائم مقام حدّ القذف، وعند عدم إحصانها لا يقع قذفه إيّاها موجباً شيئاً لا حدّ القذف ولا اللعان، وأمّا قذف الرجل عند عدم إحصان (١) الرجل فوجب ما هو الأصل فيه، وهو حدّ القذف، فلم يحل قذفه عند عدم إحصانه عن موجبه، فلذلك لم يشترط كون الرجل ممّن يحدّ قاذفه؛ لأنّ قذفه حينئذٍ لا يخلو عن موجب مّا، لأنّه إن لم يكن موجباً للعان، لكن هو موجب لما هو الأصل للعان وهو حدّ القذف، واللعان خلف عنه بطريق الانتقال في حقّ الزوجين فكان هو في معنى اللعان.

بخلاف جانب المرأة فإنّه حينئذ يمتنع القذف عن إيجاب شيء أصلاً.

"وَالْأَصْلُ أَنَّ اللِّعَانَ عِنْدَنَا شَهَادَاتٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِالْأَيْمَانِ" إلى آخره، وإنّما قيد بقوله "عِنْدَنَا"؛ لأنّ عند الشافعي تفسير اللعان على عكس ما قلنا، فإنّ عنده اللعان أيمان مؤكدات بالشهادات (٢)، فمن كان أهلاً لليمين يكون أهلاً للعان عنده، وعندنا من كان أهلاً للشهادة كان أهلاً للعان، كذا ذكره الإمام قاضي خان -رحمه الله- (٣).

وفي «الإيضاح»: والركن في باب اللعان عندنا شهادات مؤكدات [بالأيمان] (٤)، مقرونة باللعن، قائمة مقام حدّ القذف في حق الرجل، وفي حقها قائمة مقام حدّ الزنا (٥).

وقال الشافعي -رحمه الله-: الركن أيمان مؤكدات [بالشهادات] (٦) مقرونة باللعن، شرعت حجة في جانب الزوج، لإثبات الزنا عليها، وفي جانب المرأة حجة دافعة لما أثبته الزوج بأيمانه، قائمة مقام حدّ القذف في حقّه ومقام حدّ الزنا في حقها (٧).


(١) الإحصان: هو أن يكون الرجل عاقلًا بالغًا حرًّا مسلمًا، دخل بامرأة بالغة عاقلة حرة مسلمة، بنكاحٍ صحيح. ينظر: (التعريفات للجرجاني ص: ١٢).
(٢) ينظر: الأم للشافعي (٦/ ٢٤٧).
(٣) ينظر: العناية شرح الهداية (٤/ ٢٨٠).
(٤) سقطت من (ب).
(٥) حد الزاني المحصن الرجم، وغير المحصن الجلد. ينظر: (النتف في الفتاوى للسغدي ٢/ ٦٣١).
(٦) سقطت من (ب)
(٧) ينظر: كفاية النبيه في شرح التنبيه (١٤/ ٣٢٧).