للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فحينئذ كان الحديث مبينًا لحكم الكتاب لا مغيّراً له، وأولى الاحتجاج هو ما احتج به في «الأسرار»، فقال: فاحتج علماؤنا بقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} (١) فجعل الله العدّة شهوراً بشرط عدم الحيض، فدلّ أن المحيض أصل في العدّة، والشهور يدل عنها، كما قال الله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} (٢) فدلّ النقل إلى الصعيد بشرط عدم الماء أن الماء هو الأصل، فعلم به ما طوي بيانه عند ذكر الأصل بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} (٣) أي: بالماء بهذه الدلالة؛ وذلك لأن حد البدل ما يقوم مقام غيره عند عدمه، فالذي شرط عدمه لإقامته مقامه لابدّ أن يكون أصلاً.

فإن قيل: الأصل إطهار هي قروء ولا وجود لها إلا بالمحيض، فإن الطهر قبل الحيض لا يسمّى قرء، ولا انعدام لهذه القروء إلا بانعدام الحيض، فصار قوله: يئس من المحيض مجازاً عن قوله: يئس من الإطهار، هي قروء فلذلك استقام الإبدال.

قلنا: أنّ الكلام لحقيقته حتّى يقوم الدّليل على مجازه، ودلّ عليه أنّ الله تعالى بدأ، فقال: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (٤) وثم نقل إلى البدل فيمن عدمت القروء، ولو كان المراد ما ذكره كان من حق الكلام أن يقال: واللاتي عدمن القروء، وليكون النقل بعدم عين ما شرع أصلاً، فلما جالبته بعبارة أخرى علم أنّها لم يكن إلا لفائدة زائدة بعدم هي بالعبارة الأولى، وليس ذلك إلا ما قلنا، والله أعلم.

وَكَذَا الَّتِي بَلَغَتْ بِالسِّنِّ، أي إذا بلغت خمسة عشر سنة ولم تحض بعد، فعدّتها تنقضي بالأشهر أيضاً بآخر الآية وهو قوله تعالى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} (٥) أي: والصّغائر اللائي لم يبلغن، واللائي بلغن بغير الحيض كذلك يعتددن ثلاثة أشهر، كذا في «التيسير» (٦).

(وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ فِي الْوَفَاةِ) إلى آخره وبين السلف فيها اختلاف في أربعة فصول:


(١) سورة الطلاق (الآية/ ٤).
(٢) سورة المائدة (الآية/ ٦).
(٣) سورة المائدة (الآية/ ٦).
(٤) سورة البقرة (الآية/ ٢٢٨).
(٥) سورة الطلاق (الآية/ ٤).
(٦) ينظر: مدارك التنزيل للنسفي (٣/ ٤٩٩).