للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أحدها: أن من السّلف من يقول: لها عدّتان، الطولى وهي الحول، والقصرى وهي أربعة أشهر وعشر، كما قال الله تعالى: {وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ} (١)، [أي أربعة بعد] (٢) أشهر وعشر فلا جناح عليكم، ففي هذا بيان أنّ العدة الكاملة هي الحول، وأن الاكتفاء بأربعة أشهر وعشر رخصة لها والحول عزيمة لها، ولكنا نقول هذه الآية منسوخة، وهذا حكم كان في الابتداء أن على الزّوج أن يوصي لها بالنفقة والسكنى إلى الحول، وقد انتسخ ذلك بقوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (٣) والدّليل عليه ما روي أن المتوفى عنها زوجها جاءت إلى رسول الله -عليه السلام- تستأذنه في الاكتحال (٤) فقال -عليه السلام-: «كان إحداكن في الجاهلية إذا توفي عنها زوجها قعدت في شرّ أحلاسها (٥) في بيتها حولاً، ثم خرجت فرمت كلبة ببعرة أفلا أربعة أشهر وعشراً» (٦) [قال رمت كلبة ببعرة يريد أن خلوتها/ ٣٧٧ ب/ في البيت وحبسها نفسها هيّن عليها كالرمية بالبعرة في حسب ما كان من حق الزوج، فكيف لا تصبر هذه المدّة اليسيرة، وهي أربعة أشهر وعشر؟!.

وقال: أفلا أي أفلا أصبر أربعة أشهر وعشر] (٧).

والثاني: أن المعتبر عشرة أيّام وعشر ليال من الشهر الخامس عندنا، وكان عبد الله بن عمرو بن العاص (٨) رضي الله عنهما يقول: عشر ليال وتسعة أيام حتّى يجوز لها أن تتزوّج في اليوم العاشر؛ لظاهر قوله تعالى: {وَعَشْرًا} (٩) فإن جمع المؤنث يذكّر وجمع المذكّر يؤنّث فيقال عشرة أيام وعشر ليال، فلمّا قال ههنا: وعشراً؛ عرفنا أنّ المراد الليالي (١٠).


(١) سورة البقرة (الآية/ ٢٤٠).
(٢) سقطت من (ب).
(٣) سورة البقرة (الآية/ ٢٣٤).
(٤) الاكتحال لغة: مصدر اكتحل. يقال اكتحل: إذا وضع الكحل في عينه. ينظر: المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (٢/ ٥٢٦).
(٥) الْحِلْسُ كِسَاءٌ يُجْعَلُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ تَحْتَ رَحْلِهِ وَالْجَمْعُ أَحْلَاسٌ مِثْلُ: حِمْلٍ وَأَحْمَالٍ وَالْحِلْسُ بِسَاطٌ يُبْسَطُ فِي الْبَيْتِ. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (١/ ١٤٦)
(٦) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطلاق، باب الكحل للحادة (٥٣٣٨)، ومسلم في صحيحه، كتاب الطلاق، باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها، (١٤٨٨).
(٧) سقطت من (ب).
(٨) عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن العاص بْن وائل بْن هاشم بْن سَعِيد بْن سهم بْن عَمْرو بْن هصيص بْن كعب بن لؤي القرشي السهمي، يكنى أبا مُحَمَّد، وقيل: أَبُو عَبْد الرَّحْمَن. أُمه ريطة بِنْت منبه بْن الحجاج السهمي. وكان أصغر من أَبِيهِ باثنتي عشرة سنة، أسلم قبل أَبِيهِ، وكان فاضلًا عالمًا قَرَأَ القرآن والكتب المتقدمة، واستأذن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أن يكتب عَنْهُ، فأذن لَهُ. ينظر: أسد الغابة (٣/ ٢٤٥).
(٩) سورة البقرة، الآية (٢٣٤).
(١٠) ينظر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٣٠).