للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولكنّا نقول: هو كذلك إلا أن ذكر أحد العددين من الأيّام والليالي بعبارة الجمع يقتضي دخول ما بإزائه من العدد الآخر، وقد بيّنا هذا في باب الاعتكاف (١).

والثالث: أنّ المتوفّى عنها زوجها إذا كانت حاملاً فعدّتها أن تضع حملها، وهو قول عمر وابن مسعود -رضي الله عنه- وكان علي -رضي الله عنه- يقول تعتدّ بأبعد الأجلين (٢).

[إما] (٣) بوضع الحمل أو بأربعة أشهر وعشر؛ لأنّ قوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ} (٤) يوجب عليها العدّة بوضع الحمل.

وقال: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} (٥) يوجب عليها أربعة أشهر وعشراً، فيجمع بينهما احتياطاً وجوابه ما ذكر في الكتاب.

والدّليل المؤيد ما ذكر في الكتاب -أيضاً- حديث سبيعة بنت الحارث الأسلمية (٦)، فإنها وضعت ما في بطنها بعد موت الزوج بسبعة أيام فسألت أبا السنابل بن بعكك (٧) هل لها أن تتزوج؟ فقال: لا حتّى يبلغ الكتاب أجله، فجاءت إلى رسول الله -عليه السلام- فأخبرته بذلك أي بما قال أبو السنابل، فقال -عليه السلام-: «كذب أبو السنابل قد بلغ [الكتاب] (٨) أجله» (٩).

والرابع أنّ عدّة الوفاة معتبرة من وقت موت الزوج عندنا، وهو قول ابن مسعود وابن عباس (١٠).

وكان علي -رضي الله عنه-[يقول] (١١): من حين تعلم حتّى إذا مات الزوج في السفر فأتاها الخبر بعد مضي مدّة العدة فعند علي يلزمها عدة مستأنفة (١٢)؛ لأنّ عليها الحد أدنى عدة الوفاة ولا يمكنها إقامة سنة الحداد (١٣) إلا بعد العلم بموته، ولأنّ هذه العدّة تجب بطريق العبادة فلابدّ من علمها، ولكنّا نقول: العدّة مجرّد مضي المدة، وذلك يتحقّق بدون علمها فهي وعدّة الطلاق سواء، وأكثر ما في الباب أنّها لم تقم سنة الحداد، وذلك لا يمنع انقضاء العدّة كما لو كانت عالمة بموت الزّوج، ولم يقم سنة الحداد ومعنى العبادة في العدّة تبع لا مقصود.


(١) الاعتكاف: هو في اللغة المقام والاحتباس. وفي الشرع: لبث صائم في مسجد جماعةٍ بنية. ينظر: التعريفات للجرجاني (ص: ٣١).
(٢) ينظر: العناية شرح الهداية (٤/ ٣١٢).
(٣) سقطت من (ب).
(٤) سورة الطلاق، الآية (٤).
(٥) سورة البقرة، الآية (٢٢٨).
(٦) سبيعة بنت الحارث الأسلمية. كانت امرأة سعد بن خولة فتوفي عنها بمكة في حجة الوداع. ينظر: أسد الغابة (٦/ ١٣٧).
(٧) حبة بْن بعكك، أَبُو السنابل بْن بعكك القرشي العامري، وهو من مسلمة الفتح، وهو الذي تزوج سبيعة الأسلمية بعد وفاة زوجها. ينظر: أسد الغابة (١/ ٤٣٩).
(٨) سقطت من (ب).
(٩) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب فضل من شهد بدرا، (٣٩٩١)، ومسلم في صحيحه، كتاب الطلاق، باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها، وغيرها بوضع الحمل، (١٤٨٤)، كلاهما بلفظ «فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتزوج إن بدا لي».
(١٠) ينظر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٣١).
(١١) سقطت من (ب).
(١٢) المرجع السابق.
(١٣) الحداد والإحداد: امتناع المرأة من الزينة وما في معناها مدة مخصوصة في أحوال مخصوصة. ينظر: فتح القدير للكمال ابن الهمام (٤/ ٣٣٧)، المغني لابن قدامة (٨/ ١٥٤).