للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهكذا روي عن علي -رضي الله عنه- (١)؛ ولأنّه ثبت بالنص أنّ الولد ينفخ فيه الرّوح بعد انقضاء أربعة أشهر، كما ذكره في حديث ابن مسعود، وبعدما ينفخ فيه الرّوح يتم خلقته بشهرين، فيتحقّق انفصاله بستّة أشهر مستوي الخلق.

والشافعيّ -رحمه الله- يقدّر الأكثر بأربع سنين؛ لما روي أنّ رجلاً غاب عن امرأته سنتين ثم قدّم وهي حامل، فهمّ عمر -رضي الله عنه- برجمها، فقال معاذ (٢) -رضي الله عنه-: إن يكن لك عليها سبيل فلا سبيل لك على ما في بطنها، فتركها حتّى ولدت ولدًا قد نبتت ثنيتاه يشبه أباه، فلمّا رآه الرجل قال: ابني ورب الكعبة، فقال عمر: أتعجز النساء أن يلدن مثل معاذ، لولا معاذ لهلك عمر، فقد وضعت هذا الولد لأكثر من سنتين، ثم أثبت نسبه من الزّوج (٣).

وقيل: أنّ الضحّاك ولدته أمه لأربع سنين وولدته بعدما نبتت ثنيتاه وهو يضحك فسمّي ضحّاكًا (٤)، وعبد العزيز الماجشوني (٥) ولدته أمه لأربع سنين، وحجّتنا في ذلك حديث عائشة رضي الله عنها (٦) المذكور في الكتاب، ومثل هذا لا يُعرف بالرأي، وإنّما قالته سماعًا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ ولأنّ الأحكام شيء على العادة الظّاهرة وبقاء الولد في بطن أمّه أكثر من السنتين في غاية الندرة، فلا يجوز بناء الحكم عليه، مع أنّه لا أصل لما يُحكى في هذا الباب، فإنّ الضحّاك وعبد العزيز ما كانا يعرفان ذلك من أنفسهما، وكذلك غيرهما كان لا يعرف ذلك؛ لأن ما في الرحم لا يعلمه إلا الله، ولا حجّة في حديث عمر؛ لأنّه إنما أثبت النّسب بالفراش القائم بينهما في الحال أو بإقرار الزّوج وبه نقول.


(١) ينظر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٤٤).
(٢) مُعَاذُ بْنُ جَبَلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَوْسِ بْنِ عَائِذِ بْنِ عَدِيِّ صاحب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) شهد العقبة وبدرا وروى عن النبي (صلى الله عليه وسلم). ينظر: معجم الصحابة لابن قانع (٣/ ٢٤)، تاريخ دمشق لابن عساكر (٥٨/ ٣٨٣).
(٣) أخرجه عبدالرزاق في مصنفه، كتاب الطلاق، باب التي تضع لسنتين (١٣٤٥٤).
(٤) ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٣/ ٤٥).
(٥) عبد العزيز بن عبد الله بن أبى سلمة الماجشون من فقهاء أهل المدينة ممن كان يحفظ مذاهب الفقهاء بالحرمين ويذب عن أقاويلهم ويفرع على أصولهم مات بالعراق سنة ست وستين ومائة ينظر: مشاهير علماء الأمصار (ص: ٢٢٤) تاريخ بغداد وذيوله (١٠/ ٤٣٥).
(٦) عائشة بنت أبي بكر الصديق، الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين، زوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وأشهر نسائه، لم ينكح بكرا غيرها، وفي الصّحيح عن أبي موسى الأشعريّ- مرفوعا: «فضل عائشة على النّساء كفضل الثّريد على سائر الطّعام»، أفقه نساء المسلمين وأعلمهن بالدين والأدب، وروت عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا، روى عنها عمر بن الخطاب وكثير من الصحابة، ومن التابعين ما لا يحصى، روي عنها ٢٢١٠ حديثاً، توفيت بالمدينة سنة ٥٧ هـ. ينظر: أسد الغابة (٦/ ١٨٨)، الإصابة في تمييز الصحابة (٨/ ٢٣٣).