للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كمن اشترى لحمًا فجاءه مسلم عدلً وشهد أنّه ذبيحة المجوسي (١) قبلت شهادته في حق حرمة الأكل، ولا يثبت تمجس الذّابح في حق الرجوع على البائع بشهادة الواحد.

وإن كان الزّوج قد أقرّ بالحُبل طلقت، يعني إذا أقرّ الزوج بالحبل ثم علّق طلاقها بالولادة، فقالت المرأة: ولدت، وكذّبها الزّوج فإنّ الطّلاق يقع عند أبي حنيفة -رحمه الله- من غير شهادة القابلة، وعندهما يشترط شهادة القابلة (٢).

وكذلك على هذا الخلاف لو كان الحبل ظاهراً ثم علّق الطّلاق.

وقالا: إنّه متعلّق بالولادة فلا يثبت عند المنازعة بغير حجة كما في المسألة الأولى.

ولأبي حنيفة -رحمه الله- أن هذا طلاق متعلّق بأمر كائن، فيثبت بخبر المرأة من غير حجة، كالحيض بل أولى؛ لأنّ الولد الكائن في الرّحم لا يخلو عن الخروج لا محالة حيًّا أو ميّتًا (٣).

وأمّا الحيض فبناء على العادة، أو لأنّه لما أقرّ بالحبل فقد أقر بالولادة؛ لأن الولد لا يبقى في البطن أبدًا، كذا ذكره الإمام الكشاني -رحمه الله- وغيره (٤).

لَا يَبْقَى فِي الْبَطْنِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَلَوْ بِظِلِّ مِغْزَلٍ، أي بقدر ظلّ مغزل حالة الدّوران؛ لأنّ ظلّ المغزل حالة الدّوران أسرع زوالاً من سائر الظّلال، والغرض تقليل المدّة، كذا وجدت بخط شيخي -رحمه الله-.

ورواية «المبسوط» (٥) و «الإيضاح» وبعض [نسخ] (٦) الكتاب ولو بفلكة مغزل، وذكر في «المغرب» (٧) هذا على حذف المضاف، وقد جاء صريحًا في شرح الإرشاد ولو بدور فلكة مغزل، وهو مثل في الدّوران والغرض تقليل المدة؛ لقوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} (٨) ثم قال: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} (٩)، وهذا التقرير الذي ذكر ههنا في تأويل الآية مخالف لما ذكره في الرضاع من هذا الكتاب؛ لأنّه جعل هناك ثلاثون شهراً مدّة لكل واحد من الحمل والفصال، ثم أظهر المنقص في حق الحمل وههنا جعلها مدّتهما جميعًا، ثم أصاب منها للفصال عامان بقوله: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} (١٠)، ومن ضرورته يبقى للحمل ستة أشهر وهذا هو التأويل الذي خرّجه ابن عبّاس رضي الله عنهما ذكره في «المبسوط» (١١) فقال: "رُوي أن رجلاً تزوّج امرأة فولدت ولدًا لستّة أشهر فهمّ عثمان (١٢) -رضي الله عنه- برجمها، فقال ابن عباس -رضي الله عنه- أما أنّها لو خاصمتكم بكتاب الله تعالى لخصمتكم قال الله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} (١٣) وقال: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} (١٤) فإذا ذهب للفصال عامان لم يبق للحمل إلا ستة أشهر فدرأ عثمان -رضي الله عنه- عنها الحدّ وأثبت النّسب من الزّوج" (١٥).


(١) الْمَجُوس: قوم كَانُوا يعْبدُونَ الشَّمْس وَالْقَمَر وَالنَّار وَأطلق عَلَيْهِم هَذَا اللقب مُنْذُ الْقرن الثَّالِث للميلاد. ينظر: المعجم الوسيط (٢/ ٨٥٥).
(٢) ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٣/ ٤٥).
(٣) ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٤/ ٢١٨).
(٤) ينظر: المبسوط للسرخسي (١٧/ ١٦٠).
(٥) المبسوط للسرخسي (٦/ ٤٥).
(٦) سقطت من (أ).
(٧) المغرب في ترتيب المعرب (ص: ١٢٨).
(٨) سورة الأحقاف الآية (١٥).
(٩) سورة لقمان الآية (١٤).
(١٠) سورة لقمان الآية (١٤).
(١١) المبسوط للسرخسي (٦/ ٤٥).
(١٢) عثمان بْن عفان بْن أَبِي العاص بْن أمية بْن عَبْد شمس بْن عَبْد مناف الْقُرَشِيّ الأموي. يجتمع هُوَ ورسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في «عَبْد مناف»، ثالث الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشّرين، ولد بمكة، وأسلم بعد البعثة بقليل، صارت إليه الخلافة بعد وفاة عمر بن الخطاب سنة ٢٣ هـ، وروى عن النبي صلّى الله عليه وسلم ١٤٦ حديثا، لقّب بذي النورين لأنه تزوج بنتي النبي صلى الله عليه وسلم رقية ثم أم كلثوم، قتل في داره رضي الله عنه وهو يقرأ القرآن سنة ٣٥ هـ. ينظر: أسد الغابة (٣/ ٤٨٠)، الإصابة في تمييز الصحابة (٤/ ٣٧٧).
(١٣) سورة الأحقاف الآية (١٥).
(١٤) سورة لقمان الآية (١٤).
(١٥) الأثر أخرجه عبدالرزاق في مصنفه، كتاب الطلاق، باب التي تضع لستة أشهر (١٣٤٤٧)، وسعيد بن منصور في سننه، كتاب الطلاق، باب المرأة تلد لستة أشهر (٢٠٧٥).