للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر في «المبسوط» مسائل واقعة بعد هذا فقال: ثم الغلام إذا بلغ رشيدًا فله أن يتفرّد بالسكنى، وليس للأب أن يضمّه إلى نفسه إلا أنّ يكون مفسدًا مخوفاً عليه، فحينئذ له أن يضمّه إلى نفسه اعتباراً لنفسه بما له فإنه [٣٨٧/ أ] بعدما بلغ رشيدًا لا يبقى للأب يد في ماله، فكذلك في نفسه وإذا بلغ مبذّراً كان للأب ولاية حفظ ماله، فكذلك له أن يضمّه إلى نفسه إمّا لدفع الفتنة أو لدفع العار عن نفسه فإنّه يعيّر بفساد ولده.

فأمّا الجارية إذا كانت بكراً فللأب أن يضمّها إلى نفسه بعد البلوغ؛ لأنّها لم تخبر الرجال فتكون سريعة الانخداع.

وأمّا إذا كانت ثيباً فلها أن تنفرد بالسكنى؛ لأنّها [قد] (١) اختبرت الرجال وعرفت كيدهم ومكرهم، فليس للأب أن يضمّها إلى نفسه؛ لأن ولايته قد زالت بالبلوغ وإنّما بقي حق الضم في البكر؛ لأنّها عرضة للفتنة والانخداع وذلك غير موجود في الثيب، والأصل فيه قوله -عليه السلام-: «الثيب أحق بنفسها من وليها» (٢) يعني في التفرّد بالسُّكنى.

ولكن هذا إذا كانت مأمونًا عليها، وقد ذكر في كتاب الطّلاق أنّ الثيب إذا كانت مخوفاً على نفسها لا يوثق بها فللأب أن يضمّها إليه لبقاء الخوف (٣).

وأمّا البكر فإن لم يكن لها أب ولا جدّ وكان لها أخ أو عمّ فله أن يضمّها إليه -أيضاً-؛ لأنّه مشفق عليها، بمنزلة ولاية التزويج يثبت للأخ والعمّ بعد الأب والجدّ، فإن كان أخوها أو عمّها مفسدًا له يخل بينه وبينها؛ لأن ضمها إليه لدفع الفتنة.

فإذا كان سبباً للفتنة لم يكن له حق ضمها إليه، بل يجعل هو كالمعدوم، فتكون ولاية النظر بعد ذلك للقاضي، ينظر امرأة من المسلمين ثقة [له] (٤) فيضعها عندها، فإن كانت البكر قد دخلت في السن واجتمع لها رأيها وعقلها، وأخوها وعمّها مَخُوفٌ عليها، فلها أن تنزل حيث شاءت في مكان لا يتخوف عليها؛ لأنّ الضم كان لخوف الفتنة بسبب الانخداع وفرط الشبق (٥)، وقد زال حين دخلت في السنّ، واجتمع لها عقلها ورأيها (٦)، والله أعلم.


(١) سقطت من (ب).
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت (١٤٢١).
(٣) المبسوط للسرخسي (٥/ ٢١٢).
(٤) سقطت من (ب).
(٥) شَبِقَ الرَّجُلُ شَبَقًا فَهُوَ شَبِقٌ مِنْ بَابِ تَعِبَ هَاجَتْ بِهِ شَهْوَةُ النِّكَاحِ. ينظر: المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (١/ ٣٠٣).
(٦) ينظر: المبسوط للسرخسي (٥/ ٢١٣).