للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قوله -رحمه الله-: (إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا إلَى مَنْزِلِهِ)، قلت: هذا الشّرط ليس بلازم في ظاهر الرواية، فإنّه [ذكر] (١) في «المبسوط» -في ظاهر الرواية- بعد صحة العقد، النفقة واجبة لها، وإن لم تنتقل إلى بيت الزوج (٢).

ألا ترى أنّ الزّوج لو لم يطلب انتقالها إلى بيته كان لها أن تطالبه بالنفقة.

وذكر في «الذخيرة» و «الإيضاح» (٣) إذا تزوّج امرأة كبيرة، فطلبت النفقة وهي في بيت الأب بعد فلها ذلك، إذا لم يطالبها الزّوج بالنقلة؛ لأن النفقة مستحقة لها على الزّوج لما ذكرنا من الدلائل، وكلّ أحد يتمكن من المطالبة بحقه، وهذا لأن النفقة حقّ المرأة، والانتقال حق الزوج، فإذا لم يطالبها بالنقلة فقد ترك حقه، وهذا لا يوجب بطلان حقها، وقال بعض المتأخرين من أئمة بلخ: لا تستحق النفقة إذا لم تزف إلى بيت زوجها، والفتوى على جواب الكتاب، وهو وجوب النفقة وإن لم تزف، فإن كان الزّوج قد طالبها بالنقلة فإن لم تمتنع عن الانتقال إلى بيت زوجها فلها النفقة -أيضاً-.

وأما إذا امتنعت عن الانتقال، إن كان الامتناع بحق، بأن امتنعت لتستوفي مهرها، فلها النفقة.

وأمّا إذا كان الامتناع بغير حق، بأن كان أوفاها المهر، أو كان المهر مؤجلاً، أو وهبته منه، فلا نفقة لها وكلّ من كان محبوساً بحق مقصود لغيره كانت نفقته عليه.

فإن قلت: يشكل على هذا الكلي الرهن (٤) فإنّه محبوس لحق مقصود للمرتهن، وهو الاستيثاق وأن يكون أحقّ بها من سائر الغرماء ومع هذا كانت نفقته على الراهن.

قلت: في الرهن كما يحصل مقصود المرتهن يحصل مقصود الراهن -أيضاً-، وهو أن يكون موفياً دينه عند الهلاك، ويعتبر في ذلك حالهما، إلى أن قال: وعليه الفتوى هذا الذي ذكره على خلاف ظاهر الرواية، لأنّه ذكر في «المبسوط» (٥) و «الذخيرة» (٦) أنّ في ظاهر الرواية المعتبر حال الزّوج في اليسار والعُسرة، قال الله تعالى: {عَلَى الْمُوسِعِ … قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} (٧) وقال تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} (٨) الآية، بيّن أن التكليف بحسب الوسع وأنّ النفقة على الرجل بحسب حاله.


(١) سقطت من (ب).
(٢) المبسوط للسرخسي (٥/ ١٨٧).
(٣) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٥١٩).
(٤) الرهن: هو في اللغة مطلق الحبس، وفي الشرع: حبس الشيء بحقٍّ يمكن أخذه منه، كالدَّيْن، ويطلق على المرهون. ينظر: التعريفات للجرجاني (ص: ١١٣).
(٥) المبسوط للسرخسي (٥/ ١٨٢).
(٦) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٥٢٩).
(٧) سورة البقرة: ٢٣٦.
(٨) سورة الطلاق: ٧.