للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وذكر الخصّاف -رحمه الله- أنّه يبطل أيضاً (١)، والصحيح ما ذكر في المختصر؛ لأن استدانتها بأمر القاضي، وللقاضي ولاية عليهما بمنزلة استدانة الزّوج بنفسه، ولو أنّ الزوج استدان بنفسه لا يسقط ذلك الدّين بموت أحدهما، كذا ههنا، وكذلك في الطّلاق يعني أنّ الدّيون المستدانة هل تسقط بالطّلاق؟ فهو على الروايتين، في رواية لا تسقط وهو الصّحيح، كذا في «الذخيرة» (٢).

وَالصِّلَاتُ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ كَالْهِبَةِ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْقَبْضِ.

فإن قيل: الهبة قبل القبض غير متأكدة، والنّفقة مؤكّدة بعد القضاء، فينبغي أن لا تسقط هنا وإن سقط هناك!.

قلنا: ما يكون منافياً كان منافياً للتأكّد، كالمحرمية تنافي النكاح الصّادر من الأب، والنكاح الصّادر من غير الأب مع أنّ النكاح الصّادر من الأب أقوى.

أو نقول: فبعد القضاء الصّلة باق فيها غير زائل؛ لأنّ المعنى من الصلة هو أن يجب المال على رجل بمقابلة ما ليس بمال، فقلنا بالسقوط لبقاء معنى الصّلة.

والدّليل على هذا ما ذكره في «الإيضاح» (٣) بقوله: لأنّها وإن صارت دينًا عليه ولكن معنى الصلة لم تبطل عنه، والصّلات تبطل بالموت قبل القبض؛ لأنّه عوض عنده، فصار كسائر الديون.

وجوابه قد بيّناه وهو قوله: وَلَنَا أَنَّ الْمَهْرَ عِوَضٌ عَنْ الْمِلْكِ وَلَا يَجْتَمِعُ الْعِوَضَانِ عَنْ مُعَوَّضٍ وَاحِدٍ، فلا تكون النفقة عوضاً عن البضع.

(وَإِنْ أَسْلَفَهَا) أي عجّل لها نفقة السنة، (ثُمَّ مَاتَ) أو ماتت المرأة قبل مضيّ المدة لم يرجع عليها ولا في تركتها في قولهما (٤).

وقال محمّد -رحمه الله-: يرفع عنها بحصة ما مضى ويجب ردّ الباقي إن كان قائمًا، وقيمة الباقي إن كان مستهلكًا، وجه قوله: أنّها أخذت ذلك من مال الزّوج لمقصود، ولم يحصل ذلك المقصود له، فكان له أن يستردّها منها، كما لو عجّل لها نفقة ليتزوّجها، فماتت قبل أن يتزوّجها، كذا في «الذخيرة» (٥).

فَصَارَ فِي حُكْمِ الْحَالِ، يعني إذا أخذت النفقة الواجبة في الحال لا يستردّ بالموت، فكذا لا يستردّ ما إذا عجّل لها نفقة الشهر دين عليه يباع فيها، إلا أن يفديه المولى فلمّا بيع ثم اجتمع عليه النفقة مرة أخرى يباع العبد ثانياً، قال شمس الأئمة السرخسي -رحمه الله-: وليس في شيء من ديون العبد ما يباع فيه مرّة بعد أخرى إلا النّفقة؛ وهذا لأنّ النفقة يتجدّد وجوبها بمضيّ الزمان فذاك في حكم دين حادث (٦).


(١) ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٥٣٩).
(٢) ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٥٣٩).
(٣) ينظر: العناية شرح الهداية (٤/ ٣٩٤).
(٤) ينظر: العناية شرح الهداية (٤/ ٣٩٤).
(٥) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٥٣٩).
(٦) المبسوط للسرخسي (٥/ ١٩٨).