للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولا يقال: لو كانت النفقة صلةً لما وجبت على المكاتب؛ لأنّا نقول: صلة من وجه، وما هذا سبيله يجب على المكاتب كالخراج (١)، كذا في «مبسوط شيخ الإسلام» (٢).

ثم إنّما قلنا: أنّه صلة لأنّه لو كان عوضاً لا يصح، أمّا إن كان عوضاً عن البضع أو عن الاستمتاع والقيام عليها لجاز أن يكون عوضاً عن البضع؛ لأنّ المهر عوضه بالاتفاق فلو قلنا: بأنّ النفقة عوض عنه -أيضاً- يلزم العوضان بمقابلة معوّض واحد، ولا نظير له في الشّرع، ولجاز أن يكون عن الاستمتاع والقيام عليها؛ لأنّ ذلك تصرّف منه في ملكه.

فلا يوجب عليه -أيضاً-، فلما انتفى كونه عوضاً ثبت أنّه صلة، إلى هذا أشار في «المبسوط» (٣).

وذكر في «الذخيرة» (٤) أن النفقة عوض من وجه، صلة من وجه؛ لأنّ النفقة بإزاء الاحتباس.

وفي الاحتباس إن كان الزوج من حيث الاستمتاع وقضاء الشّهوة منها وإصلاح أمر المعيشة، ففيه حقّ الشّرع من حيث تحصيل الولد وصيانة كلّ واحد منهما عن الزّنا فمن حيث أن الاحتباس حقّ الزّوج إن أمكن جعل النفقة عوضاً عنه فمن حيث أنّه حق الشّرع وإقامة الشرع مستحق على كلّ إنسان لا يصلح [٣٨٩/ ب] أن يكون عوضاً عنه، فكانت عوضاً من وجه صلة من وجه، فمن حيث أنّها صلة لا تصير دينًا من غير قضاء ولا رضاء، كنفقة الأقارب، ومن حيث أنّها عوض تصير دينًا إذا وجد القضاء أو التراضي، عملاً بالدّليلين بقدر الإمكان، وإن مات الزّوج بعدما قضى عليه بالنّفقة ومضى شهور سقطت النّفقة، هذا إذا فرض لها القاضي النّفقة، ولم يأمرها بالاستدانة.

فأمّا إذا أمرها بالاستدانة على الزّوج فاستدانت، ثم مات أحدهما لا يبطل ذلك هكذا ذكر الحاكم الشهيد (٥) -رحمه الله- في المختصر (٦).


(١) الخراج لغة، من خرج يخرج خروجاً أي برز والاسم الخراج، وأصله ما يخرج من الأرض. والجمع أخراج، وأخاريج، وأخرجة، ويطلق الخراج على الغلة الحاصلة من الشيء كغلة الدار، والدابة. ينظر: لسان العرب (٢/ ٢٤٩)، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (١/ ١٦٦).
(٢) ينظر: العناية شرح الهداية (٤/ ٣٩٣).
(٣) المبسوط للسرخسي (٥/ ١٨٤).
(٤) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٥٣٨).
(٥) محمد بن محمد بن أحمد بن عبدالله بن عبد المجيد بن إسماعيل، أبو الفضل، الحاكم، الشهيد، كان بمرو، وهو شيخ الحنفية في زمانه، ولي قضاء بخارى، من مصنفاته: "المختصر الكافي" و"المستخلص من الْجَامِع فِي الْفُرُوع"، و"الْمُنْتَقى فِي الْفُرُوع"، قتل ساجداً سنة ٣٣٤ هـ. ينظر: تاج التراجم (ص: ٢٧٣)، هدية العارفين (٢/ ٣٧).
(٦) ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٥٣٩).