للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأمّا ولاء العتاقة فالمولى يتفرّد بإثباته؛ لأنّه يثبت بالإعتاق، والإعتاق ممّا يتفرّد به المولى، ولو قال: يا ابني أو يا أخي لم يعتق؛ لأن النداء لإعلام المنادي بالاستحضار.

فإن قيل: لِمَ لَمْ يحمل على المجاز، وهو الحرية كما في قوله هذا ابني، قلنا: لو لم يُحمل هناك قوله هذا ابني يلغو كلامه أصلاً، وأمّا قوله: يا ابني، لو لم يحمل على الحرية لا يلغو كلامه، بل يحمل على معنى مقصود في النداء، وهو استحضار المنادى، مع أنّ في النداء لا يراعى المعنى، ولا يلتفت إليه، ولكن إنّما يثبت الحرية بقوله: يا حرّ، مع وجود هذا الأصل، وهو أنّ في النداء لا يعتبر المعنى، بل المراد منه استحضار المنادي لا غير؛ لما أنّ لفظ الحريّة لما كان من صريح ألفاظ العتق قام اللفظ الصّريح مقام معناه، وصار كأنّه أثبت ذلك المعنى فيه أولاً، ثم استحضره [بالبدء] (١) بالنداء.

بخلاف لفظ الابن، فإنّه ليس بصريح فيه، وحاصل الفرق بين قوله: يا حرّ، وبين قوله: يا ابني، أن النداء إذا كان يوصف إن أمكن إثبات ذلك الوصف في المنادي من جانب المنادى في الحال، كما في قوله: يا حرّ، يثبت الاستحضار بلفظ النداء والحرية بذكره بالوصف.

وإن لم يمكن إثبات ذلك الوصف في المنادى من جانب المنادى في الحال، كما في يا ابني، حمل على الاستحضار لا غير، ويلغي إرادة حقيقة ذلك الوصف، بل يحمل ذلك على معنى الإكرام، إلى هذا أشار في «المبسوط» (٢).

وقال: بخلاف قوله: يا ابني، فإنّه نداء بوصف لا يملك إيجابه، فينظر إلى مقصوده فيه، وهو الإكرام دون التحقيق.

وقالا: لا يعتق، وهو قول أبي حنيفة الأوّل -رحمه الله- (٣)، أصل هذه المسألة: هو أنّ المجاز خلف عن التكلّم سواء كان معناه الحقيقي متصورًّا فيه أو لم يكن، وعندهما المجاز خلف عن حكم ذلك، يعني ينبغي أن يكون اللفظ موجباً حقيقته، ثم تعذّر العمل تحقيقه لمعنى حينئذ يصار إلى المجاز.

فإن قيل: على هذا ينبغي أن لا يصحّ قولهم: هذا أشد للإنسان الشجاع؛ لما أنّ تحقق الهيكل المخصوص في حق الإنسان محال، ومع ذلك أطبقوا على جوازه.

قلنا: ليس ذلك من نظير مسألتنا؛ وذلك لأنّ قوله: هذا أشد ليس بمستعار بجملته، بل قوله: أشد مستعار، [وقوله] (٤) هذا مستعار له.

وأمّا ههنا هذا ابني بجملته مستعار في حق إثبات الحرية، فلم يكن ذلك نظيراً لقولنا: هذا ابني لهم أنّه كلام محال، وبيان الاستحالة ظاهر، فإنّ قوله: هذا ابني أي مخلوق من مائي، وابن خمسين سنة يستحيل [٣٩٦/ أ] أن يكون محذوفاً من ماء ابن عشرين سنة، وفيه فارق معروف النّسب، فإن كلامه مُحتملا هناك لجواز أن يكون مخلوقاً من مائه بالزنا، أو يكون مخلوقاً من مائه بالشبهة وقد اشتهر نسبه من الغير.


(١) سقطت من (أ).
(٢) المبسوط للسرخسي (٤/ ١٣٨).
(٣) النهر الفائق شرح كنز الدقائق (٣/ ٧).
(٤) في (أ): وقال.