للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(هَذَا ابْنِي وَثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ عَتَقَ) قبل قوله: وثبت على ذلك، خرج اتفاقاً، ولهذا لم يذكر هذا اللفظ في «المبسوط».

وقيل: ذكر في شرح بندار الرازي في شرح القدوري (١) أنّه شرط حتى لا يعتق بدونه.

ورأيت بخطّ شيخي -رحمه الله-: وفي شرح القدوري لأبي الفضل -رحمه الله- (٢) أراد بقوله: (وَثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ) أنّه لم يدّع به الكرامة والشفقة، حتّى لو ادّعى ذلك تصدّق، وبخطّه -أيضاً- شرط الثبات لثبوت النّسب، لا لثبوت العتق؛ إذ الرجوع عن العتق لا يصحّ، وعن النّسب يصحّ، نصّ عليه في أصول الفقه لفخر الإسلام، في آخر باب الحقيقة والمجاز، وإن كان له نسب معروف لا يثبت نسبه منه ويعتق.

وهذا بخلاف قوله: لامرأته هذه بنتي، وهي [٣٩٥/ ب] معروفة النّسب من الغير، فإنّه لا تقع الفرقة بينهما؛ لأنّ هناك صار مكذّبًا في حقّ النّسب شرعًا.

ولو أكذب نفسه بأن قال: غلطت لا تقع الفرقة، وإن لم يكن لها نسب معروف، فكذلك إذا صار مكذّبًا شرعًا، وههنا لو أكذب المولى نفسه في حق من لا نسب له، كان العتق ثابتًا، فكذلك إذا صار مكذّبًا في النّسب شرعًا، كذا في «المبسوط» (٣).

(وَلَوْ قَالَ يَا مَوْلَايَ عَتَقَ) أي: بدون النيّة، وقال زفر -رحمه الله- (٤) لا يعتق إلا بالنيّة، وإنّا نقول: الكلام محمول على حقيقته ما أمكن، وحقيقة قوله يا مولاي لا يكون إلا بولاء له عليه، والمعتّق متعيّن لذلك، فهذا وقوله: يا حرّ يا عتيق سواء.

بخلاف قوله: يا سيّدي ويا مالكي؛ لأنّه ليس فيه ذكر ما يختصّ بإعتاقه إيّاه.

قوله: (بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ)، وهو قوله: يا مالكي ويا سيّدي، أي لا يثبت العتق بهما، ويثبت بقوله: يا مولاي؛ لأنّ في قوله: يا مولاي، يثبت صفة في العبد من جانب المنادي، وهو إثبات ولاء له عليه.

وذلك لا يكون إلا بسابقة العتق، وهو ولاء العتاقة فيثبت العتق؛ لأنّه ممّا يمكن إثباته في الحال من جانب المنادي.

أمّا قوله يا مالكي يا سيّدي لا يثبت بهذين اللفظين صفة في العبد من جهة المنادي؛ لأنّه لو ثبت بهما الحرية لا يكون العبد سيَّدًا أو مالكاً لمولاه، فلما لم يثبت صفة السيادة والمالكية في العبد من جانب المنادي بهذين اللّفظين، لم يثبت العتق بهما، فحينئذ يحمل على الإكرام واللّطف، ولا يقال: لِمَ لَمْ يحمل قوله: يا مولاي على مولى الموالاة، حتّى لا يعتق، واللّفظ يحتمله، [كما يحتمل] (٥) ولاء العتاقة؛ لأنّا نقول: لم يجر عقد ولاء الموالاة بينهما، وهو عقد لا يقوم بأحد الطّرفين، بل يقوم بهما فلم يمكن حمله عليه.


(١) ينظر: العناية شرح الهداية (٤/ ٤٣٧).
(٢) ينظر: العناية شرح الهداية (٤/ ٤٣٧).
(٣) المبسوط للسرخسي (٧/ ٦٦).
(٤) النهر الفائق شرح كنز الدقائق (٣/ ١٠).
(٥) سقطت من (ب).