للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأمّا الإجماع فظاهر.

وأمّا المعقول فإنّه تمكين المكلّف من العبادة أجمع، والتأمل في آيات الآفاق والأنفس، فكان مندوباً إليه إلى هذا أشار في «المبسوط» (١) و «المنشور» (٢) وغيرهما.

وَلِهَذَا لَوْ قَالَ الْبَالِغُ: أَعْتَقْت وَأَنَا صَبِيٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، يستدل بهذه المسألة على أن الصبا منافية للإعتاق، فإنّه لما اشتد الإعتاق إلى تلك الحالة صحّ لإسناده إلى حالة منافية للإعتاق، فكان القول قوله؛ لأنّه منكر للإعتاق والقول قول المنكر.

قوله (وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ مُعْتَقٌ أَوْ عَتِيقٌ) إلى آخره، ذكر في «المبسوط»: ثم الألفاظ التي يحصل بها العتق نوعان: صريح وكناية، فالصّريح لفظ العتق، والحرية والولاء ويستوي إن ذكرَ هذه الألفاظ بصيغة الخبر أو الوصف أو النداء (٣).

أمّا صيغة الخبر فأن يقول: قد أعتقتك أو حررتك، وأما صيغة الوصف فأن يقول: أنت حر أو أنت عتيق، والمنادي قوله: يا حرّ يا عتيق.

وكذلك لو قال لعبده: هذا مولاي إلى آخره.

وممّا يلحق بالصريح ههنا قوله لمملوكه وهبت نفسك منك، أو بعت نفسك [منك] (٤)، فإنّه يعتق به، وإن لم ينو؛ لأن موجب هذا اللفظ إزالة ملك، إلا أنّه أوجبه لإنسان آخر يكون مزيلاً لملكه إليه، فيتوقف على قبوله، وإذا أوجبه للعبد يكون مزيلاً بطريق الإسقاط لا إليه، فلا يحتاج إلى قبوله ولا يرتد برده.

وذكر في «الإيضاح» و «الذخيرة» (٥) وغيرهما: فالصّريح ما وضع له، والوضع يغني عن النيّة وذلك لفظان، الحرية والعتق، وهما لفظان موضوعان لا يشترط فيهما النية؛ لأن النية إنما تعتبر فيما إذا كان مراد المتكلّم مشتبهًا.

قوله: وَسَنُقَرِّرُهُ مِنْ بَعْدُ، أراد به قوله في مسألة يا ابني إلا أنّه إذا كان يوصف إلى آخره، ثم أحال هناك -أيضاً- إلى هنا، بقوله: عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وكذلك عكسه، بأن ناداه بقوله: يا حرّ وقد لقبه آزاد.

بِخِلَافِ قَوْلِهِ: طَلَّقْتُك، أي: في قوله أطلقتك، يثبت العتق ولا يثبت في طلقتك، وإن كانا سواء في اللغة؛ لأنّ قوله طلقتك صار صريحًا في الطّلاق عن النكاح، فلا يثبت به العتق على ما يأتي بيانه، وأمّا أطلقتك فلم يستعمل فيه، ثم بينه وبين قوله: خليت سبيلك مناسبته، فجرى مجراه؛ لأن للمولى على المكاتب سبيلاً، من حيث المطالبة ببدل الكتابة، حتّى إذا انتفى ذلك بالبراءة عنه عتق، كذا في «المبسوط» (٦).


(١) المبسوط للسرخسي (٧/ ٦٠).
(٢) المنشور في فروع الحنفية، لناصر الدين أبي القاسم محمد بن يوسف السمرقندي، توفي ٥٥٦ هـ، لم يطبع فيما أعلم. ينظر: تاج التراجم لابن قُطْلُوْبَغَا الحنفي (ص ٣٣٨)، كشف الظنون (٢/ ١٨٦١).
(٣) المبسوط للسرخسي (٧/ ٦٢).
(٤) سقطت من (أ).
(٥) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٢٠٩).
(٦) المبسوط للسرخسي (٨/ ٣٣).