للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأمّا تفسيره شرعًا: فهو عبارة عن قوّة حكمية يصير بها أهلاً للقضاء والشهادة والولايات.

وأمّا سببه فنوعان في الواجبات ما شغل ذمّته بوجوب الإعتاق من النذور والكفارات، وفي غير الواجبات هو ملك القريب وغيره، والنشاط الدّاعي إليه في نفسه من طلب الثّواب أو طلب رضاء غيره.

وأمّا شرطه: فأن يكون المُعتق حرًّا بالغًا عاقلاً مالكًا ملك اليمين.

وأمّا ركنه: فهو ما يثبت به العتق وهو نوعان صريح وكناية.

وأمّا حكمه: الخاص فهو زوال الرق والملك عن المحلّ.

وأمّا صفته: فإنّه مندوب إليه لكنّه ليس بعبادة حتى صحّ من الكافر.

وذكر في «فتاوى قاضي خان» -رحمه الله- أسباب العتق كثيرة منها الإعتاق.

ومنها دعوى النسب (١).

ومنها الاستيلاد، ومنها ملك القريب، ومنها العبد المسلم إذا زالت يد الكافر عنه، بأن اشترى الحربي في دارنا عبدًا مسلمًا، فدخل به في دار الحرب يعتق، في قول أبي حنيفة -رحمه الله- (٢).

ومنها إذا أقرّ بحرية عبد إنسان ثم ملكه، والإعتاق على وجوه: مرسل، ومعلّق، ومضاف إلى ما بعد الموت، وكل ذلك يتنوّع إلى نوعين ببدل وبغير بدل.

وألفاظ العتق ضربان صريح وكناية.

[قوله] (٣): الْإِعْتَاقُ تَصَرُّفٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، ثم الدليل على أنّه مندوب إليه الكتاب والسنة والإجماع والمعقول، أمّا الكتاب فقوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣)} (٤) إلى قوله: {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ … (١٨)} (٥) جعل فك الرقبة من خصال أصحاب اليمين، ومن نظر في نظم هذا الكلام حق النّظر علم علوّ مرتبة الإعتاق، حيث ذكر مجملاً أولاً على وجه لا يعرف أحد كنهه، بقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ} (٦)، ثم ذكر مفصلاً ثانياً بقوله: {فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣)} (٧) على وجه البيان لذلك المجمل.

وأمّا السنة فهي ما ذكر في الكتاب، حيث جعله سبب النجاة من النّار التي هي معدّة للكافرين، بقوله: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ … (١٣١)} (٨) والمناسبة فيه هي أن المعتق لما رفع بالإعتاق عنه أثر الكفر في الدنيا، رفع الله عنه عقوبة أهل الكفر في الآخرة، وهي النّار، ولمّا ذكر في الحديث مقابلة العضو بالعضو في حق النجاة عن النّار استحسنوا للرجل أن يعتق العبد، وللمرأة أن تعتق الأمة؛ ليتحقق مقابلة الأعضاء بالأعضاء وفي حديث براء ابن عازب (٩) - رضي الله عنه - أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: دلني على عمل يدخلني الجنة، فقال - صلى الله عليه وسلم - «لئن أوجزت الخطبة، لقد أعرضت المسألة، فك الرقبة وأعتق النسمة» فقال: أليسا واحدًا يا رسول الله، فقال: «لا عتق النسمة أن يعتقها، وفكّ الرقبة أن تعين في ثمنها» (١٠).


(١) ينظر: البناية شرح الهداية (٦/ ٤).
(٢) ينظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٤/ ٥٧).
(٣) سقطت من (أ).
(٤) سورة البلد: ١٢ - ١٣.
(٥) سورة البلد: ١٨.
(٦) سورة البلد: ١٢.
(٧) سورة البلد: ١٣.
(٨) سورة آل عمران: ١٣١.
(٩) البراء بن عازب بن الحارث الخزرجي، أبو عمارة: قائد صح أبي من أصحاب الفتوح، أسلم صغيرا وغزا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم خمس عشرة غزوة، أولها غزوة الخندق، ولما ولي عثمان الخلافة جعله أميرا على الري (بفارس) سنة ٢٤ هـ، عاش إلى أيام مصعب ابن الزبير فسكن الكوفة واعتزل الأعمال. وتوفي في زمنه. روى له البخاري ومسلم ٣٠٥ حديثاً، توفي سنة ٧١ هـ. ينظر: أسد الغابة (١/ ٢٠٥)، الإصابة في تمييز الصحابة (١/ ٤١١).
(١٠) أخرجه البخاري في الأدب المفرد، باب فضل من يصل ذي الرحم الظالم (٦٩)، وأحمد في مسنده (١٨٦٤٧)، وابن حبان في صحيحه، كتاب البر والإحسان، باب ما جاء في الطاعات وثوابها (٣٧٤)، والدارقطني في سننه، كتاب الزكاة، باب الحث على إخراج الصدقة وبيان قسمتها (٢٠٥٥)، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب العتق، باب فضل إعتاق النسمة وفك الرقبة (٢١٣١٣)، والحاكم في المستدرك، كتاب المكاتب (٢٨٦١) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" (٢/ ٢٣٦).