للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما انعقد سبب الحريّة في حقّ المدبّر بعد الموت، وفي (١) حقّ أمّ الولد في الحال ظهر الفرق بينهما، وهذا الفرق أثر في حق أمّ الولد بإسقاط التقوّم، وفي حق المدبّر بالتّقوم ثم لما ثبت بهذه النكتة التقوّم في حق المدبّر ورد عدم جواز البيع فيه شبهة على هذا التّقرير فأجاب عنه بقوله: وامتناع البيع فيه لتحقيق مقصود المدبّر لا باعتبار سقوط التقوّم، بخلاف حرمة بيع أمّ الولد؛ فإنّها بسقوط (٢) التقوم لتحقّق سبب الحريَّة فيها في الحال، وهو الجزئية الثّابتة في الحال فثبت بهذا كلّه فساد ما قالا، وهو أنّهما سوّيا حرمة بيع أمّ الولد وحرمة بيع المدبّر ثم قالا حرمة بيع المدبّر لم تدل على أن المدبّر غير متقوّم فكذا حرمة بيع أمّ الولد أيضاً لا تدلّ على أنّ أمّ الولد غير متقومة، قلنا لا بل بينهما فرق وهو ما ذكرنا.

وفي أمّ ولد النّصراني جواب عمّا قاسوا عليها قضينا بتكاتبها عليه وهو لم يجعلها مكاتبة، ولكن لما حكمنا بأنّها تخرج عن ملكه بأداء القيمة كانت في معنى المكاتبة، وإنّما فعلنا هكذا دفعًا للضّرر من الجانبين.

أمّا في حقّ أمّ الولد؛ فأن لا تبقى تحت نصراني وهي مسلمة، وأمّا في حق النّصراني فأن لا يبطل ملكه مجانًا، فلمّا كانت هي في معنى المكاتبة كان ما أدته في معنى بدل الكتابة، وبدل الكتابة لا يقتضي أن يكون ما يقابله متقوّمًا، لأنّ بدل الكتابة في أصله بمقابلة ما ليس بمتقوّم، لأنّ ما يقابله فكّ الحجر (٣) لأن بدل الكتابة بدل لفكّ الحجر وفكّ الحجر غير متقوّم؛ لأنه إسقاط فلذلك قلنا إن تكاتُبَها لم يقتضِ تقوم أمّ ولد النصراني فاطرد ما قلنا وهذا معنى ما ذكر في الكتاب والله أعلم.

(وذكر في المبسوط (٤) وإذا أسلمت أم ولد النّصراني، قومت عليه قيمة عدل فسعت في قيمتها، لأنّه تعذّر إبقاؤها في ملك المولى ويده بعد إسلامها وإصراره على الكفر فَتَخرُجَ إلى الحرية بالسّعاية كما بينا في معتق البعض، وهذا لأنّ ملك الذمي محترم فلا يمكن إزالته مجانًا، وهو إشكال لهما على أبي حنيفة -رحمه الله- في أنّ رق أمّ الولد مال متقوم، والعذر لأبي حنيفة -رحمه الله- من وجهين:


(١) "وفي" هكذا في (ب) وفي (أ) "في"، والصواب ما في (ب).
(٢) " بسقوط " في (ب) " لسقوط "، وكلاهما صواب.
(٣) الْحَجْرِ: هو لُغَةً: المَنعُ مُطلَقًا، وشَرعًا: مَنعُ نَفَاذِ التَّصَرُّفِ الْقَوْلِيِّ.
انظر: درر الحكام شرح غرر الأحكام (٢/ ٢٧٣)، الدر المختار (٦/ ١٤٢).
(٤) انظر: المبسوط للسرخسي (٧/ ١٦٨).