للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا هو دلالة التقوم؛ لأن حلّ الوطئ عند عدم ملك النكاح (١) لا يكون إلا بملك اليمين فإذا بقيت الماليّة والمنفعة بقي التقوم كحرمة بيع المدبّر، ولا مُعَارِضَ للتَّقوم إلا حق الحرية، ولا تَنَافي بين حق الحرية والتقوم، كأم ولد النّصراني إذا أسلمت، وكولد المغرور (٢) إذا كانت الأمة أمّ ولد، فإنّ المغرور يضمن قيمة الولد عندنا كذا ذكره الإمام قاضي خان والإمام ظهير الدين -رحمهما الله- (٣).

[٤٠٥/ ب] قوله: وبامتناع بيعها لا يسقط تقومها، لأن بعدم جواز البيع لا يفوت التقوم كبيع الآبق لا يجوز بيعه ومع ذلك أنّ التقوم باقٍ، (ولأبي حنيفة -رحمه الله- أن التقوّم بالإحراز، ألا ترى أنّ الصّيد قبل الإحراز لا يكون مالًا متقوّمًا، وبعد الإحراز يصير مالًا متقومًا، والآدمي باعتبار الأصل ليس بمال؛ لأنّه مخلوق لِيكون/ مَالكًا للمال لا ليصير مالًا، ولكن متى صحّ إحرازه على قصد التموّل صار مالًا متقومًا ويثبت به ملك المتعة تبعًا، فإذا حصنها واستولدها ظهر أن إحرازهُ لها كان لملك المتعة لا لقصد التموّل، فصار في صفة الماليّة كأن الإحراز لم يوجد أصلًا، فلا يكون مالًا متقومًا وملك المتعة ينفصل عن ملك الماليّة، ألا ترى أن للزوج على المنكوحة ملك المتعة دون ملك الماليّة؟) كذا في المبسوط (٤).

وهو الجزئية الثّابتة بواسطة الولد إلى هذا أشار عمر -رضي الله عنه- في حرمة بيعهنّ فقال: «كيف تَبِيعُوهُنَّ وقد اخْتَلَطَت لُحُومُهُنَّ بِلُحُومِكُم، ودِمَاؤُهُنَّ (٥) بِدِمائِكُم؟» (٦) فعمل السّبب أي سبب الحرية، وفي المدبّر ينعقد السّبب أي سبب الحرية بعد الموت، والإشكال ههنا هو أن التعليقات لم تنعقد سببًا عندنا فكيف انعقدت في حق المدبّر؟ نذكر جوابه في مسائل التدبير إن شاء الله.


(١) النكاح في اللغة: الضمُ والجمعُ. وهو في الأصل: الوطءُ، وقيل: هو العقدُ لهُ، وهو التزويجُ، لأنه سببٌ للوطءِ. انظر: معجم مقاييس اللغة (٥/ ٤٧٥)، تاج العروس (٤/ ٢٤٠ - ٢٤١)، كلاهما (نكح).
وفي عرف الفقهاء: عقدٌ وضِع لتملّك المتعة بالأنثى قصداً.
انظر: فتح القدير (٣/ ٩٩)، تبيين الحقائق (٢/ ٤٤٤).
(٢) المغرور: من يطأ امرأة معتمدا على ملك يمين أو نكاح فتلد منه ثم تستحق.
انظر: الهداية (٣/ ١٧٧)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)، (٥/ ٥٨٦).
وذكره الشلبي في حاشيته بما هو أوضح: المغرور: من يستولد امرأة معتمدا على ملك يمين أو نكاح على أنها حرة ثم يستحقها رجل بالبينة على أنها أمة.
انظر: حاشية الشلبي مطبوع مع تبيين الحقائق (٤/ ٣٣٥).
(٣) انظر: تبيين الحقائق (٣/ ٨٣).
(٤) انظر: المبسوط للسرخسي (٧/ ١٦٠).
(٥) "ودِمَاؤُهُنَّ" في (ب) "ودماهن"، والصواب ما في (أ).
(٦) عن محمَّدُ بن عُبيد الله الثَّقفي: «إنَّ أبانا اشترى جاريةً بأربعة آلافٍ، قد أسقطت لرجلٍ سقطًا، فسمع عمر بن الخطَّاب بذلك، فأرسلَ إليهِ وكان صديقًا له، فلامهُ لومًا شَدِيدًا، وقال: إن كنت لأنزِّهك عن هذا، أو مثل هذا، قال: وأقبل على الرجل ضربًا بالدِّرَّةِ، وقال: الآن حين اختلطت لحُومُكُم، ولُحُومُهُنَّ، ودِماؤُكم ودِمَاؤُهُنَّ، تَبِيعُوهُنَّ تأكلون أثمَانَهُنَّ، قاتل اللهُ اليهودَ حُرِّمَت عليهم الشُّحُومُ فَبَاعُوها، ارددها، قال: فرددتها، وأدركت من مالي ثلاثةَ آلافِ دِرهَمٍ».
أخرجها عبد الرَّزَّاق في مصنفه (٧/ ٢٩٦)، باب ما يعتقها السقط، رقم الحديث (١٣٢٤٨)، وابن أبي شيبة في مصنفه (٤/ ٤٠٠)، باب في بيع أم الولد إذا أسقطت، رقم الحديث (٢١٤٧٩)، وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (٣/ ٨٧، ٨٨)، رقم الحديث (٢٠٤٩)، التلخيص الحبير (٣/ ٤٦٩)، كتاب العدد (١١)، رقم الحديث (١٨٠٧).