للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[٤٠٩/ ب] وإنّما قلنا إن تحريم الفرج من حق الله تعالى فيقبل فيه شهادة الشّاهدين من غير دعوى/ لأنّهما يشهدان أن وطئه إياها بعد هذا زنا، والشّهادة على الزّنا تقبل بلا دعوى فكذا ما يتضمّن معنى الزّنا، فإن قيل على عتق العبد المعيّن وجب أن تستغني الشّهادة عن الدّعوى، لأنّ فيها تحريم الاسترقاق، وذلك حق الله تعالى فصار الله تعالى خصمًا، قلنا: تحريم الاسترقاق إنّما يثبت بعد تمام الشّهادة، وإن يثبت معنى تمام الشهادة (١) لا يجوز أن يجعل أصلًا في قبول الشّهادة، كما لو شهد الإنسان بمال وهو لا يدّعي فإنّه لا يقال تقبل لجواز أن يجب في ذلك المال زكوة (٢)، وذلك حق الله تعالى كذلك هذا كذا ذكره الإمام التمرتاشي -رحمه الله- (٣).

فإن قلت: لا تفاوت حينئذٍ بين تحريم الاسترقاق وبين تحريم الفرج فكلّ منهما يثبت بعد تمام الشّهادة بالحرية، فكيف جُعل تضمّن تحريم الفرج مجوّزًا لقبول الشّهادة من غير دعوى، ولم يجعل تضمن تحريم الاسترقاق مجوزًا لقبول الشّهادة من غير دعوى؟ قلت إنّما نشاء (٤) الفرق بينهما من حيث إن الشّهادة بعتق الأمة قائمة مقام شهادتهما أنّهما يزنيان بعد هذا لو وطئها (٥) مولاها والشّهادة على الزّنا مما ورد به الشّرع، وأمّا الشّهادة بعتق العبد لو قلنا بجوازها كانت قائمة مقام شهادتهما أنّه يَستَرِقُّهُ بَعد الحُريّة فهو ممّا لم يرد به الشّرع بل ذاك.

وقوله: إنّه أعتقه بمنزله (٦) وفيه الخلاف المذكور؛ ولأنّ الاحتياط الرّاجع إلى أمر الفروج أشدّ رعاية من غيره، ألا ترى أن الإعتاق المبهم بين الأمتين وإن كان يجوّز وطئهما من حيث الدّليل على قول أبي حنيفة -رحمه الله- وهو أن الإعتاق المبهم لا ينزل في المعيّن قبل البيان؟ ومع ذلك لا يفتي بحلّ وطئهما (٧) لرعاية الاحتياط في أمر الفروج (٨)، وإذا كان كذلك فلم يلزم من قبول الشّهادة بعتق الأمة رعاية لجانب حرمة أمر الفروج، وإن كان ثبوته بطريق التضمن قبول الشهادة بعتق العبد رعاية لجانب حرمة الاسترقاق الثابت بطريق التضمين، لما أن حرمة الاسترقاق لا تساوي حرمة أمر الفروج في الأخذ بالاحتياط.


(١) هكذا في (أ) و (ب)، وفي (أ) زيادة هذه العبارة في هذا الموضع وهي: "وأن يثبت معنى بعد تمام الشّهادة"
(٢) "زكوة" كذا في (أ) و (ب) بهذا الرسم. وهي " زكاة "
(٣) انظر: بدائع الصنائع (٤/ ١١٠).
(٤) " نشاء" هكذا في (أ) و (ب)، والصواب: نشأ.
(٥) " وطئها " هكذا في (أ) وفي (ب) وطها، والصواب: وطأها.
(٦) "وقوله إنّه أعتقه بمنزله" هكذا في (ب) وفي (أ) ويقال إنه أعتقة بمنزلة. والصواب ما في (ب).
(٧) "وطئهما" هكذا في (ب) وفي (أ) وطئها، والصواب ما في (ب).
(٨) "الفروج" في (ب) الفرج.