للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله: (ثم جاء بعدُ غدٍ عتق) ولفظ بعدُ بالرّفع دون النّصب هكذا كان مقيَّدًا بقيد شيخي -رحمه الله- لما أن بعدًا مُعرَب وليس بمبني، وإنّما انتصب في مواضع على الظّرفية فلما كان في موضع الفاعليّة هنا ارتفع، وكذا يستعمل له أي للحال على تأويل الوقت الحالي من غير قرينه، قال الله تعالى: {والله يعلم إنك لرسوله} (١) فالمراد به الحال وهذا التقرير يخالف رواية النّحو وهي أنّه مشترك بين الحال والاستقبال وقد ذكرناه في الطّلاق.

(والذي كان عنده مدبر) أي مطلق (٢) (والآخر ليس بمدبّر) (٣) أي ليس بمدبّر مطلق حتّى يجوز بيعه ولكن هو مدبّر مقيّد على قول أبي حنيفة ومحمّد -رحمهما الله- حتّى لو بقي إلى وقت موت المولى.

(يعتق من الثلث) طعن عيسى بن أبان -رحمه الله- (٤) في هذه المسألة فقال ينبغي أن لا يعتق من حدث في ملكه بعد تلك المقالة؛ لأنّ اللّفظ لم يتناولهم؛ لأنّه للحال ولو تناولهم ينبغي أن لا يجوز بيعهم لتعلّق عتقهم بموت المولى، فكان فيه جمع بين الحكمين المتناقضين، ولكنّ الجواب ما ذكر في المتن ذكره فخر الإسلام -رحمه الله- في مبسوطه (٥).

وقال أبو يوسف -رحمه الله- في النّوادر (٦) يعتق ما كان في ملكه أي بطريق التّدبير.


(١) سورة المنافقين آية (١).
(٢) المدبر المطلق: هو من تعلق عتقه بمطلق موت المولى. انظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٤/ ٦٣).
والتَّدبِير المُطلَق: هو الذي يُعَلِّقُهُ المولى بمُطلقِ مَوتِهِ. انظر: تبيين الحقائق (٣/ ٩٩)، الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (٢/ ١٠٦).
(٣) وَأما حكم الْمُدبر الْمُطلق فَنَقُول إِنَّه يعْتق فِي آخر جُزْء من أَجزَاء حَيَاته إِن كَانَ يخرج من الثُّلُث وَإِن لم يخرج يعْتق ثلثه وَيسْعَى فِي ثُلثَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْجَواب فِي الْمُدبر الْمُقَيد إِنَّه يعْتق من الثُّلُث.
انظر: تحفة الفقهاء (٢/ ٢٧٨).
(٤) عِيسَى بن أبان بن صَدَقَة أَبُو مُوسَى الإِمَام الْكَبِير تفقه على مُحَمَّد بن الْحسن قيل إِنَّه لزمَه سِتَّة أشهر
(ت/ ٢٢١ هـ). انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (١/ ٤٠١)، رقم (١١١٣).
(٥) انظر: المبسوط للشيباني (٤/ ٣١٠).
(٦) النوادر هي: عبارة عن المسائل التي رويت عن أئمة المذهب الأوائل: أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن -رحمهم الله- في غير كتب الأخير المعروفة بكتب ظاهر الرواية بأن تكون مروية في كتب أخرى ك: «الجرجانيات»، و «الرقيات»، و «الكيسانيات»، و «الهارونيات».
انظر: مفتاح السعادة لكبري زادة (٢/ ٢٦٣)، رد المحتاج لابن عابدين (١/ ٦٩)، الفقه الإسلامي لمحمد جابر (١/ ٢١).