للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولهما أن هذا إيجاب عتق وإيصاء (١) أي اللّفظ الواحد إيجاب عتق وإيصاء أيضًا، فعملنا بموجبهما فأعملنا إيجاب العتق في المملوك الحالي وأعملنا الإيصاء فيه وفي المستحدث؛ وذلك لأن في الوصايا كما تعتبر الحالة الرّاهنة أي الحالة الحالية إنّما سميّت الحالية بالرّاهنة؛ لأنّ الرّهن هو الحبس لغةً والمرء محبوس فيها لا فيما قبلها ولا فيما بعدها، كذلك تعتبر الحالة المتربصّة أي المستقبلة ولهذا لو أوصى بثلث ماله يستحق الموصى له ثلث ما يملكه عند الموت فيدخل الحالي باعتبار الرّاهنة تحت كلامه للحال فيتدبّر في الحال.

والثّاني: باعتبار المتربصّة فيعطى له حكم المدبّر حال موت المولى.

قوله: والإيجاب إنّما يصحّ مضافًا إلى الملك جواب سؤال مقدّر وهو على وجهين:

أحدهما: هو أن يقال ينبغي أن لا يتناول الإيجاب المشتري أصلًا لا في الحال ولا في المآل؛ لأنّ التّناول إنّما يكون مضافًا إلى الملك أو إلى سببه وليس أحدهما في حقّه فأجاب عنه وقال إنما تناوله باعتبار الإيصاء لا باعتبار الإيجاب الحالي.

[٤١٠/ ب] والثّاني: هو أن يقال ينبغي أن يكون المشتري مدبّراً مطلقًا حال/ شرائه؛ لأنّ التّدبير في كلّ مدبّر إنّما يكون على وجه الإيصاء حتّى يعتبر من الثلث، وفي الإيصاء لا يتفاوت الحالي والمستحدث، كما لو أوصى بثلث ماله يدخل فيه المال المملوك حالًا، وما سيحدث فأجاب عنه بأنّ إيجاب التّدبير مطلقًا إنّما يكون عقد إضافة التّدبير إلى الملك أو إلى سببه ولم يوجد في حق المستحدث واحد منهما فلا يتحقّق في حقّه التّدبير المطلق (٢).

وذكر في المبسوط (٣) (وهما يقولان علق بالموت عتق ما يملكه، فيتناول ما هو مملوك له عند الموت والذي استحدث الملك فيه مملوك له عند الموت كالموجود في ملكه؛ وهذا لأنّ الإضافة إلى ما بعد الموت وصية، وفي الوصيّة إذا لم يوجد التعيين من الموصي عند الإيصاء يعتبر وجوده عند الموت، كما لو أوصى بثلث ماله لإنسان يتناول هذا ما يكون ماله عند الموت فهذا مثله، إلا أنّ التّدبير إيجاب العتق كما قرّرنا فلا يصحّ إلا في الملك أو مضافًا إلى الملك، ففي حَقِّ الْمَوْجُودِينَ في ملكه وجِدَ الملك فصحّ إيجاب حق العتق (٤) لهم، وفي حق الذينَ يستحدث الملك فيهم لم يوجد الإيجاب في الملك ولا الإضافة إلى الملك؛ إنّما وجدت الإضافة إلى الموت فلم يجب لهم حق العتق بنفس الملك؛ لأنّه لا يُدرى بقاؤهم في ملكه إلى وقت الموت، وباعتبار ذلك يتناولهم كلامه؛ فلهذا كان له أن يبيعهم وإذا لم يبعهم حتّى مات فقد تناولهم وصيّته فيعتقون من الثلث لهذا)، بخلاف قوله بعد غد على ما تقدّم يعني لا يعتق المشترى في قوله: (كلّ مملوك أملكه حرّ بعد غد)؛ لأنّ المشترى لا يدخل في غير الإيصاء لا بقرينة كما إذا (قال كلّ مملوك أملكه) إلى ثلاثين سنة حيث يدخل فيه ما يستفيده لا ما هو في الحال؛ لأنّه وقت والتّوقيت إنّما يكون في المستقبل.


(١) الايصاء: هو إقامة الغير مقام النفس بعد الموت في استحقاق المال أو الاشراف على شأن من يخلفه الموصي من الاهل والمال. انظر: معجم لغة الفقهاء (١/ ٩٨).
وأيضاً هو: طَلَبُ شيءٍ من غيره ليفعَلَهُ على غَيبٍ منه حال حياته وبعد وفاته. انظر: المغرب (١/ ٤٨٧).
(٢) التَّدبِير المُطلَق: هو الذي يُعَلِّقُهُ المولى بمُطلقِ مَوتِهِ.
انظر: تبيين الحقائق (٣/ ٩٩)، الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (٢/ ١٠٦).
(٣) انظر المبسوط للسرخسي (٧/ ١٨٣).
(٤) " العتق " هكذا في (ب) وفي (أ) كالعتق، والصواب ما في (ب).