للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمّا في قوله: (كلّ مملوك أملكه حرّ بعد غد) ليس فيه دليل على الاستقبال فإن قوله أملكه للحال.

قوله أملكه (١) للحال تنحى عنه الاستقبال؛ لأنّ اللّفظ الواحد لا يكون للحال والاستقبال معًا، إلا إذا قدر فيه سببان مختلفان من إيجاب عتق ووصيّة وهو ما نحن فيه، فإن قلت: يشكل على هذا ما ذكره في الإيضاح (٢) من قول محمّد -رحمه الله- (٣) في الجامع الكبير (٤) إذا قال كلّ مملوك أملكه غدًا فهو حرّ ولا نيّة له عتق ما اجتمع في ملكه في غد ممّن هو في ملكه في الحال وممّن يملكه الى الغد، ومن يملكه غدًا فقد تناول أملكه هذا للحال والاستقبال معًا كما ترى مع أنّه ليس فيه سببان مختلفان من إيجاب عتق ووصيّة قلت: قد جعل محمّد -رحمه الله- قوله (املكه غدًا) عبارة عمّا يجتمع في ملكه في الغد فقال: فأنا لا أجمع بين الحال والاستقبال ولكن أعين ما يجتمع في ملكه في الغد لإضافته الملك إلى ذلك الوقت وفي الاجتماع في ذلك الوقت لا يتفاوت بين أن مَلَكَ قبله أو في ذلك الوقت فكان هذا عملاً بعموم المجاز لا جمعًا بين الحقيقة والمجاز فرجع حاصل المسائل إلى ثلاثة أوجه:

أحدها: ما يتناول الحال لا غير وهو قوله: (كلّ مملوك أملكه فهو حرّ) ولا نيّة له، فهذا على ما يكون في ملكه يوم قال ذلك، ولا يعتق ما يستقبل وهو كثير النّظير.

والثّاني: ما يتناول المستقبل لا غير وهو قوله: (كلّ مملوك أملكه) إلى ثلاثين سنة، فهذا على ما يستفيده في الثلاثين من حين حلف في قولهم جميعًا ولم يدخل فيه ما كان في ملكه وكذلك إذا قال إلى سنة أو سنة أو أبدًا أو إلى أن أموت.

والثّالث: ما يتناول الحال والاستقبال معًا وهو في قوله: (كلّ مملوك أملكه غدًا فهو حرّ)

ولكن هو على قول محمّد -رحمه الله- خلافًا لأبي يوسف -رحمه الله- فإن على قول أبي يوسف -رحمه الله- يتناول المستقبل ولا يتناول الحال وعلى هذا الاختلاف أيضًا إذا قال كلّ مملوك أملكه رأس الشهر إلى هذا أشار في الإيضاح (٥). والله أعلم


(١) "فلما كان قوله أملكه " سقط من (ب).
(٢) انظر: تحفة الفقهاء (٢/ ٢٦٩).
(٣) "من قول محمد -رحمه الله- " هكذا في (ب) وفي (أ) "محمّد -رحمه الله- فقال وقال محمّد -رحمه الله- " والصواب ما في (ب).
(٤) الجامع الكبير في الفروع للإمام المجتهد أبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني الحنفي (ت ١٨٩ هـ).
انظر: كشف الظنون (١/ ٥٦٩).
(٥) انظر: تحفة الفقهاء (٢/ ٢٧٠).