للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإطلاق لفظ المال أي في قوله ومن أعتق عبده على مال فشابه النكاح والطّلاق والصّلح (١) عن دم العمد (٢)، فلمّا شابهها جاز أن يثبت الحيوان دينًا في الذّمة ههنا، كما جاز ذلك في تلك العقود، إذا كان معلوم الجنس كما إذا أعتقه على مائة قفيز (٣) حنطة صحّ، ولا تضرّه جهالة الوصف يعني وإن لم يقل إنّها جيدة أو رديّة ربيعية أو خريفية فإن جهالة الوصف لا تمنع صحّة التّسمية إذا كان عوضًا عمّا ليس بمال كالمهر.

وكذلك لو كان العوض شيئًا لغيره؛ لأن عدم الملك لا يمنع صحّة تسميته عوضًا، ألا ترى أنّه لو اشترى شيئًا بعبد مملوك للغير صحّ العقد فكذا ههنا، إلا أنّ ثمة إذا أبى المالك أن يُجِيزَ يُفسخُ العقد وهنا لا يُفسخ؛ لأن تعذّر التّسليم يوجب المصير إلى تسليم القيمة، والقيمة يجوز أن تكون أصلًا في حقّ التّسليم؛ فإنّه لو أعتق على حيوان فجاء بالقيمة، يجبر على القبول ولا مدخل للقيمة في باب البيع، فمن هذا الوجه افترقا كذا في الإيضاح (٤).

(ولو علّق عتقه بأداء المال صحّ) لأنّ الإعتاق من قبيل الإسقاطات فيصحّ فيه التّعليق. وذكر في المبسوط (٥) (وإن قال لعبده إن أدّيت إليّ ألفًا فأنت حرّ لم يكن مكاتبًا ولم يعتق حتّى يؤدّي؛ لأنّ الكتابة تُوجب المال على المكاتب بالقبول فيثبت له بِمُقَابَلَتِهِ مِلكُ اليَدِ والمَكَاسِبِ، وههنا المال لا يجب على العبد، فلا يثبت له ملك اليد والمكاسب، ولكن هذا اللّفظ من المولى تعليق لعتقه بأداء المال، فيكون كالتّعليق بسائر الشّروط؛ ولهذا لا يحتاج إلى قبول العبد ولا يبطل بالرِدّة (٦)، ولا يمتنع على المولى بيعه، ولكن إذا جاء بالمال عتق، وليس للمولى أن يمتنع من قبوله عندنا استحساناً، وفي القياس له ذلك وهو قول زفر -رحمه الله- (٧).


(١) "والصلح " سقط من (ب) ومعنى الصلح في اللغة: اسم بمعنى المصالحة، وهو ضد الفساد.
انظر: لسان العرب (٢/ ٦١٠) (صلح). وعند الفقهاء: هو عقدٌ يرفعُ النّزاع.
انظر: تبيين الحقائق (٥/ ٤٦٧).
(٢) أي قتل العمد: وهو تعمّد ضربه بسلاح أو ما أجري مجرى السلاح في تفريق الأجزاء كالمحدد من الخشب والحجارة والنار. انظر: التعريفات (١/ ١٧٢).
(٣) الْقَفِيزُ: مِكْيَالٌ وهو اثنا عشر مَنًّا، وهو ثَمَانِيَةُ مَكَاكِيكَ والمكوك صاع ونصف.
انظر: المغرب (١/ ٣٩١)، الصحاح (٣/ ٨٩٢)، كلاهما (قفز).
(٤) انظر: المحيط البرهاني (٤/ ٢٥).
(٥) انظر: المبسوط للسرخسي (٧/ ١٤٣).
(٦) " بالردة " هكذا في (أ) و (ب)، وفي المبسوط للسرخسي وتبيين الحقائق "ولا يبطل بالرد ".
انظر: المبسوط للسرخسي (٧/ ١٤٣)، تبيين الحقائق (٣/ ٩٤)، وهو الصواب، ويكون المعنى: لا يبطل حق العبد في العتق إن أدى المال فسخ المولى لما شرطه على نفسه. نقل بتصرف.
انظر: تبيين الحقائق (٣/ ٩٤).
(٧) زفر هو: زفر بن الهذيل العنبري، أحد الفقهاء والزهاد صدوق، وثَّقه غير واحد، صاحب أبي حنيفة، وفاته سنة (١٥٨ هـ)، ومات كهلاً، قال أبو نعيم: كان ثقة مأمونًا، أنظر: سير أعلام النبلاء (٧/ ١٤٥).