للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبقاء الجزئية حكمًا باعتبار النّسب وهو من جانب الرجل إلى آخره، جواب سؤال وهو أن يقال: النسبة ليست بمؤثرة في حق الحريّة، ألا ترى أن النّسبة مشتركة بين الأم والأب؟ لأن أبا الولد منسوب إلى المرأة بواسطة الولد، كنسبة الأم إلى الأب بواسطة الولد، ثم الاتصال إلى الأم بواسطة الولد من جانب الرجل ليس بمؤثر في إثبات حق الحريّة حال الحياة؛ فإنّها لو تزوّجت عبد (١) رجل فولدت منه ثم ملكت إياه لم يثبت حق الحريّة له حال حياة المرأة، ولا حقيقة الحرية بعد موتها، فيجب أن يكون في جانبها كذلك.

فأجاب عنه بما ذكر في الكتاب والدّليل على ما ذكرته من السؤال والجواب ما ذكره في الإيضاح فقال: الجزئية قد حصلت بين الواطئ والموطوءة بواسطة الولد.

إلا أنّه بعد الانفصال عنها لم يبق جزء حقيقة، فإذا ثبت النّسب بقي حكم الجزئية التي كانت، فكانت هذه جزئية منعدمة حقيقة مبقاة شرعًا، فضعف السّبب فأوجب حكمًا مؤجلاً إلى ما بعد الموت.

ثم قال: ولا يقال: لو كان السّبب ما ذكرتم لثبت الحكم من جانب الأب كما يثبت من جانب الأم ومع ذلك لا يثبت؛ فإن العبد لو تزوّج بحرة، ثم ملكته، لم يثبت له عتق مؤجّل إلى موتها، والجزئية تثبت من الجانبين لا معنى لهذا، لأنّا نقول: هذا حكم جزئية مؤكدّة بثبات النّسب، والأصل في ثبات النسب هو الأب، فإنّ الولد ينسب إلى أبيه، والأم إليه تنسب بواسطة الولد، ولهذا عرفت بأميّة الولد، فثبت أن جانب الأب أصل في النسب، ولو أثبتنا هذا الحكم في جانبه أيضًا لاحتجنا إلى أن ينسب الأب إليها بواسطة الولد، فيكون تغييرًا للحكم وهذا لا يجوز.

قوله: وكذا الحرية صحّ بالحاء جعله شيخي -رحمه الله- متن الكتاب بخطه وجعل الجزئية نسخة، والحرية بالحاء هو الأصحّ، وذلك لأن الجزئية كما تثبت في حقّهم كذلك تثبت في حقهن، بل في حقّهن أولى؛ لأنّ الولد يعرض منهن بالمقراض وقد ذكر في الكتاب تثبت في حقّهم لا في حقّهن، ولو حملتها على الجزئية بالجيم لكان لا تثبت الجزئية في حقهنّ، وليس كذلك، وأمّا وجه ما ذكر في الكتاب على تقدير الحرية بالحاء فمعناه (٢) تثبت حرية النساء في حق الرجال، ولا تثبت حرية الرجال في حق النساء، كما دلّ على هذا المعنى مضمون ما ذكره في الإيضاح (٣) على ما ذكرت.

قوله: لأن الاستيلاد لا يتجزى فإن قلت: فقد ذكر في باب العبد يعتق بعضه


(١) " عبد " هكذا في (ب) وفي (أ) عند، والصواب ما في (ب).
(٢) " فمعناه " في (ب) فمعنى.
(٣) انظر: تبيين الحقائق (٣/ ١٠١).