للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فباليمين ترجح جانب الصّدق، وفائدة الكلام هي إيقاع الصّدق في قلب السّامع، وإذا لم يقع صدقه في قلبه ضاع إخباره، والقول الضّايع ملحق بنعيق الغراب ونباح الكلب.

والله تعالى أيضًا أقسم مع أنّه لا يُتَصوَّرُ عنه الكذب لِيَدُل عِباده على شرع القسم، وأمر نبيّه -عليه السلام- بالقسم قال الله تعالى: (قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} (١)، ومن محاسنها أيضًا زينة الكلام بذكر اسم الله تعالى، إذ لا زينة كاملًا للكلام إلا بذكر الله تعالى.

ومن محاسنها أيضًا تعظيم اسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته، فإن من أقسم بشيء فقد عظمه وشرفه حتّى منع نفسه عن مرغوبها حِذَارَ هتك حرمة المقسم به.

[٤١٩/ ب] ثم نحتاج ههنا إلى معرفة معنى اليمين لغةً، وشرعًا، ومعرفة شرطه، وسببه، وركنه،/ وحكمه (أمّا اللّغة فمعناها القوّة ومنه قوله تعالى: (لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} (٢).

وقال الشماخ (٣):

رأيت عرابة الأوسي (٤) يسمو … إلى الخيرات منقطع القرين

إذا ما رايةٌ رُفِعَت لمجدٍ … تلقّاها عرابة باليمين

وأمّا معناها شرعًا: فهي عبارة عن عقد قوي بها عَزمُ الحالف على الفعل أو الترك وسمّى هذا العقد بها؛ لأن العزيمة (٥) تتقوى بها. وأمّا شرطها ففي الحالف كونه عاقلاً بالغًا.


(١) سورة يونس آية: (٥٣).
(٢) سورة الحاقة آية: (٤٥).
(٣) الشماخ بن ضرار بن حرملة بن سنان المازني الذبياني الغطفاني، شاعر مخضرم، وهو من طبقة لبيد والنابغة، توفي سنة ٢٢ هـ. انظر: الأعلام (٣/ ١٧٥)، الإصابة (٣/ ١٨٥).
(٤) هو عرابة بن أوس بن قيظى الأوسي، صحابي ابن صحابي، شهد مع رسول الله غزوة الخندق، ولم يشهد أحدا، كانت سنه إذ ذاك أربع عشرة سنة وخمسة أشهر، فلم يأذن له رسول الله أن يشهدها لذلك.
انظر: الإصابة (٣/ ٢٨٦)، والبيتين في الشعر والشعراء (١/ ٣٠٧)، والكامل في اللغة والأدب (١/ ١٠٨).
(٥) العزيمة لغة: عبارة عن الإرادة المؤكدة، وعند الفقهاء: عبارة عمّا شُرع من الأحكام ابتداءً، غير متعلق بالعوارض.
انظر: معجم مقاييس اللغة (٤/ ٣٠٨)، التعريفات (١/ ١٥٠)، لسان العرب (١٢/ ٣٩٩)، (عزم).
وأصول السرخسي (١/ ١١٧)، المذهب الحنفي مراحله وطبقاته لأحمد النقيب (٢٨٦).