للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وإن دخل صُفَّةً حنث)، وقيل: هذا إذا كانت الصفة ذات حوايط أربعة وهكذا كانت صفافهم وفي المبسوط (١) (من أصحابنا من يقول هذا الجواب أي الجواب بالحنث بناء على عرف أهل الكوفة؛ لأنّ الصُفَّة عندهم اسم لِبَيتٍ يَسكُنُونَها صَيفًا، ومثلها في ديارنا تسمّى كاشانه (٢).

وأمّا الصّفة ففي عرف ديارنا غير البيت ولا يطلق عليه اسم البيت بل ينفي عنه فيقال: هذا صفة وليس ببيت فلا يحنث، والأصحّ عندي أن مراده حقيقة ما نسميه الصّفة.

ووجهه: أن البيت اسم لمبنى مسقف مدخله من جانب واحد وهو مبنى للبيتوتة فيه وهذا موجود في الصّفة إلا أن مدخلها أوسع من مدخل البيوت المعروفة فكان اسم البيت متناولًا لها فيحنث سكناها؛ إلا أن يكون نوى البيوت دون الصّفاف فحينئذ يصدق فيما بينه وبين الله تعالى؛ لأنّه خصّ العام ببينة).

قوله: وهو الصّحيح احتراز عن القول الثّاني وهو تقييد الصُفَّة بعرفهم، فإن الصّحيح هو الإطلاق، لوجود المعنى الذي هو البيتوتة في الصّفة وقد شهدت أشعار العرب بذلك قال لبيد (٣):

عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّها فَمُقَامُها … بِمنىً تَأَبّدَ غَوْلُها فَرِجَامُهَا (٤)

عفا يعفو لازم ومتعدّ وهنا لازم تأبّد المنزل أي أفقر وألقتة الوحوش.


(١) انظر: المبسوط للسرخسي (٨/ ١٦٧ - ١٦٨).
(٢) كاشانه: هي بَيْتِ الضِّيَافَةِ الَّتِي تُسَمَّى بِالْفَارِسِيَّةِ (كاشأنه).
انظر: الفتاوى الهندية (٤/ ٣٨٧).
(٣) هو لبيد بن ربيعة من بني عامر بن صعصعة، وهي قبيلة مضرية، وأمه من بني عبس. كان في الجاهلية شريفاً جواداً شجاعاً شاعراً وقد أدرك الإسلام وأسلم، وعمر طويلاً حتى مات في خلافة معاوية عام ٤١ هـ.
وأكثر شعره قاله قبل الإسلام، فلما أسلم لم يقل إلا قليلا. وهو شاعر بدوي يصف في شعره حياة بدوية صحراوية ولاسيما في معلقته التي مطلعها: عفت الديار محلها فمقامها … بمن تأبد غولها فرجامها.
انظر: أشعار الشعراء الستة الجاهليين للأعلم أبو الحجاج (ص: ١٠٧).
عفا لازم ومتعد، يقال: عفت الريح المنزل وعفا المنزل نفسه عَفْوًا وَعُفُوًّا وعفاء، وهو في البيت لازم. الْمَحلّ من الديار: ما حل فيه لأيام معدودة، والمقام منها: ما طالت الإقامة به. منى: موضع بحمى ضرية غير منى الحرم، ومنى ينصرف ولا ينصرف ويذكر ويؤنث. تأبد: توحش، وكذلك أبِد يأبَدُ ويأبُدُ أبودًا. الغول والرجام: جبلان معروفان.
انظر: شرح المعلقات السبع للزوزني (ص: ١٧١).
(٤) ديوان لبيد بن ربيعة العامري (١/ ١٠٧)، شرح ديوان المتنبي للواحدي (٣/ ١٥٠).