للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلنا: الدّار في اليمين نكرة من كل وجه؛ لأنها لم تتعرف بوجه من الوجوه وفي الوكالة قد تعرفت من وجه؛ لأنّ التّوكيل بشراء الدّار إنما يصحّ عند بيان الثّمن وَالمَحَلَّة (١). فإن قيل: البناء لا يخلو إمَّا إن كان داخلًا في المسمّى، أو لم يكن، فإن كان داخلًا وجب أن لا يختلف الحال بالغيبة والحضرة في أنّه يدخل كَعَرصتها (٢)، وإن لم يكن داخلًا وجب أن لا يختلف الحال أيضًا في أنّه لا يدخل، كما إذا حلف لا يكلم رجُلًا لا يتقيد بيمينه برجل قاعد عالم، وكذا بسائر الصفات الخارجية عنه، وهذا لأنّ البناء وإن كان صفة فهو غير منصوص عليه، فلا يتقيد به وإن كانت غايبةً كما في النّظير وهذه شبهة حارت التحاذير في التقصي عنها. قلنا: البناء صفة متعيّنة للدّار فجاز أن يكون هو مرادًا بحكم العرف لتعينه. وفي الرجال التزاحُمُ في الصّفات ثابت من العلم والعقل والقدرة والصناعة والحسن والجمال وهذه الصفات بأسرها ممتنع عرفًا إرادتها عادة، وليس البعض أولى من البعض في الإرادة فتمتنع الإرادة أصلًا. كذا في الفوائد الظهيرية لأنّها لم تبق دارًا لاعتراض اسم آخر (فمن ضرورة حدوث اسم البيت لهذه البقعة زوال اسم الدّار) كذا في المبسوط (٣).

ألا ترى أن المعتكف (٤) لا يفسد اعتكافه بالخروج إلى سطح المسجد، وكذلك لا يجوز التخلي (٥) والتغوّط (٦) على سطح المسجد ولا يجوز للجنب والحائض الوقوف على سطح المسجد؟ وذكر في الإيضاح (٧) ولو كان فوق المسجد مسكن لم يحنث؛ لأنّ ذلك ليس بمسجد يعني فيما إذا عقد يمينه في أن لا يدخل المسجد، وقيل: في عرفنا لا يحنث.


(١) الْمَحَلَّةُ: مَنْزِلُ القَومِ. انظر: مختار الصحاح (١/ ٧٩)، تاج العروس (١١/ ٣٢٠)، (دور).
(٢) العرصة: هي كل بقعة ليس فيها بناء فهي عرصة. انظر: البناية (٨/ ٣٢)، البحر الرائق (٧/ ٣٤).
(٣) انظر: المبسوط للسرخسي (٨/ ١٧١).
(٤) المعتكف من (عَكَفَ) على الشَّيءِ أَقبل عليه مُوَاظِبًا وهو الاحتِباسُ.
انظر: مختار الصحاح (١/ ٢١٦)، لسان العرب (٩/ ٢٥٥).
والاعتكاف عند الفقهاء: هو اللبث في المسجد مع الصوم ونية الاعتكاف. انظر: الهداية (١/ ١٢٩)، تبيين الحقائق (١/ ٣٤٧).
(٥) التخلي: هو التفرد لقضاء الحاجة غائطا أو بولا.
انظر: فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي القاهري (١/ ١٣٥)، سبل السلام (١/ ١٠٩)، عون المعبود (١/ ٩).
(٦) التغوط: يعنِي إتْيانِ الغَائِطِ وهو قضاء الحاجة.
انظر: فقه اللغة وسر العربية للثعالبي (١/ ٢٠٤)، اصلاح المنطق لبن السكيت (١/ ٢٢٤).
(٧) انظر: بدائع الصنائع (٣/ ٣٩).