للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر الإمام قاضي خان -رحمه الله- في هذا القول في الجامع الصّغير (١) بخلاف ما قاله في فتاواه: فإنّه ذكر في الجامع الصّغير قيل: هذا في عرفهم، وأمّا في عرفنا الصّعود على السّطح والحائط لا يسمّى دخولًا فلا يحنث، ثم قال: والصّحيح جواب الكتاب يعني أنه يحنث، وذكر في فتاواه بعدما ذكر جواب الكتاب بأنّه يحنث هذا إذا كانت اليمين بالعربيّة، وإن كانت اليمين بالفارسية فارتقى شجرة في الدّار أو قام على الحائط منها أو صعد السّطح لا يحنث في يمينه وهو المختار؛ لأنّ هذا لا يعدّ دخولًا في العجم، وجه الاستحسان أن الدّخول لا دوام له؛ لأنّه انفصال من الظّاهر إلى الباطن ولم يوجد ذلك بعد يمينه؛ إنّما وجد المكث فيه وذلك غير الدّخول وهو واضح.

وذكر في المبسوط (٢) (ولو قال والله لأدخلنه غدًا فأقام فيه حتّى مضى الغدُ (٣) يحنث؛ لأَنَّ شَرْطَ بِرِّهِ وُجُودُ فعل الدّخول في الغد، ولم يوجد المكث فيه فإن نوى بالدّخول الإقامة فيه لم يحنث؛ لأنّ المنوي من محتملات لفظه فإن من الدّخول المقصود الإقامة، فكأنه جعل ذكر الدّخول كناية عما هو المقصود فلذلك لا يحنث)، وهذا بخلاف السّكنى؛ لأنّها مستدام؛ لأنه يضرب له المدة فكان لدوامه حكم الابتداء، وذكر في الفوايد (٤) دليل فرق بينهما، فقال: ألا ترى أنّه يقال في المتعارف للساكن اسكن هنا كما يقال لغير السّاكن اسكن هنا، ولا يقال للّداخل ادخل هذه الدّار؟.

[٤٢٦/ ب] وقال زفر -رحمه الله-: يحنث أي قياسًا. وعندنا لا يحنث أي استحسانًا، ولنا أن اليمين تعقد للبِّر؛ لأن البر مأمور به قال تعالى: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} (٥) / والحنث منهي عنه قال الله تعالى: (وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} (٦).

فإن قيل: اليمين كما تعقد للبِرِّ فكذلك تعقد للحنث كما في قوله (لَمَسْنَا السَّمَاءَ} (٧) ونحوه. قلنا: هناك أيضًا عقدت للبرّ لتصوّر البرّ حقيقة، وإن لم يتصوّر عادة ولهذا يصح التوقيت به؛ وإنّما يحنث بعد انعقاده للعجز عادة؛ لا أنّها عقدت للحنث، فإن تصوّره حقيقة كاف لانعقاد اليمين؛ لأن هذه الأفاعيل وهي اللبس والركوب والسّكنى لها دوام بحدوث أمثالها، فكان لدوامها حكم الابتداء، وعن هذا قالوا: لو قال لها: كلما ركبت فأنت طالق فمكثت ساعة تمكنها النّزول فيها طلقت، وإن مكثت ساعة أخرى طلقت أيضًا، لما ذكرنا أنّ للدّوام حكم الابتداء وكَلِمة كُلّمَا تَعُمَّ الأفعال، فيتكرر الجزاء (٨) بِتَكَرُّر الشّرط.


(١) انظر: البناية (٦/ ١٥١).
(٢) انظر المبسوط للسرخسي (٨/ ١٧٠).
(٣) "لا" زيادة في (ب)، والصواب ما في (أ) ويؤيده ما في المبسوط (٨/ ١٧٠)، وتبيين الحقائق (٣/ ١١٩)، والدر المختار (٣/ ٧٣٩).
(٤) انظر: تبيين الحقائق (٣/ ١١٩).
(٥) سورة المائدة آية: (٨٩).
(٦) سورة النحل آية: (٩١).
(٧) سورة الجن آية: (٨).
(٨) "بتكرر الجزاء" مكررة، في (أ)، والصواب ما في (ب) ويؤيده ما في العناية (٥/ ١٠٤)، "وكلمةُ كُلَّما تَعُمُّ الأفعال فَيَتكَرَّرُ الْجَزَاءُ بِتَكَرُّرِ الشَّرط".