للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: لا كذلك فإن الرجل لو قال: كلّما ركبت دابة فعلي أن أتصدّق بدرهم فركب دابة فعليه درهم، وإن طال مكثه في الركوب وعلى ما قلتم ينبغي أن يلزمه الزيادة على الدّرهم. قلنا: الاستدامة فيما يستدام بمنزلة الإنشاء إذا لم يكن الإنشاء بصفة الخلوص مراراً أمّا إذا كان فلا. ولهذا قلنا: إن في هذا الفصل إذا كان راكبًا زمان اليمين يلزمه في كلّ وقت يمكنه النزول والركوب درهم؛ لأنّ الإنشاء بصفة الخلوص غير مراد كذا في الجامع الصغير لقاضي خان والفوايد الظهيرية (١). ولأنّا لو قلنا بلزوم الدّرهم في كل ساعة بدوامه في الركوب لا يفي له ماله وإن كثر فيلزم الحرج فكان الإنشاء غير مراد فيه لهذا المعنى.

قوله: لأنّه لا يقال دخلت يومًا بمعنى المدّة والتّوقيت إنما قيّد عدم الجواز في قوله يومًا بمعنى التّوقيت؛ لأنّه يقال في مجاري الكلام كثيرًا: فلما دخلت عليه يومًا قال لي كذا. وكذا ولما خرجت منه يومًا كان كذا، وكذا فيقرن الدّخول والخروج بقوله يومًا، لكن المراد منه ذكر مطلق وقت الدّخول والخروج ابتداء لا أن يكون المراد منه ذكر المدّة والتّوقيت. بخلاف اللبس والسكنى والركوب فإنّها تعرف بمعنى المدّة والتوقيت.

(ومن حلف لا يسكن هذه الدّار) إلى قوله حَنِثَ. وهذا إذا كان الحالف متأهّلًا؛ فإن كان ممّن يعوله غيره بأن كان ابنًا كبيرًا يسكن مع أبيه أو كانت امرأةً حَلَفت لا تسكن هذه الدّار فخرج بنفسه وخَلَّفَ أَهلَهُ (٢) مَتَاعَهُ هُنالك لا يحنث.

وقال الفقيه أبو الليث (٣) -رحمه الله-: هذا إذا عقد يمينه بالعربية أمّا إذا عقد يمينه بالفارسية.

(فلا يحنث إذا خرج بنفسه وخَلَّفَ أهله ومتاعه فيها) كذا في الفوايد الظهيرية (٤) (وهذه المسألة في الحقيقة تَنَبنِي على أصلٍ في مسائل الأيمان بيننا وبين الشّافعي -رحمه الله- أن عنده العبرة بحقيقة اللفظ والعادة بخلافها لا تعتبر؛ لأنّ المجاز لا يعارض الحقيقة وعندنا العادة الظّاهرة اصطلاح طارئ على حقيقة اللغة، والحالف يريد ذلك ظاهرًا فَيُحمَل كلامه عليه. ألا ترى أن المديون يقول لصاحب الدّين: والله لأجُرَنَّكَ على الشَّوك، يحمل ذلك على شدة المطل دون حقيقة اللّفظ؟ وكان مالك -رحمه الله- يقول: ألفاظ اليمين محمولة على ألفاظ القرآن وهذا بعيد أيضًا؛ فإن من حلف لا يستضيء بالسّراج فاستضاء بالشّمس لا يحنث والله -عز وجل- سمّى الشّمس سراجًا) كذا في المبسوط (٥)


(١) انظر: العناية (٥/ ١٠٤).
(٢) " أهله " سقط من (ب).
(٣) هو: نصر بن محمد بن أحمد أبو الليث الفقيه السمرقندي، المشهور بإمام الهدى، (ت ٣٧٣ هـ)، له تفسير القرآن، والنوازل، والعيون، والفتاوى، وخزانة الفقه، وبستان العرفين، وشرح الجامع الصغير، وتنبيه الغافلين، وغير ذلك. انظر: الفوائد البهية (ص ٢٢٠).
(٤) انظر: البحر الرائق (٤/ ٣٣٢).
(٥) انظر المبسوط للسرخسي (٨/ ١٦٣).