للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو كان اليمين على الُمصِر لا يتوقف البر على نقل المتاع (١) يعني لو حلف لا يسكن هذه البلدة فخرج وترك أهله ومتاعه فيها برّ في يمينه هكذا روى عن أبي يوسف -رحمه الله-؛ لأنّه لما خرج بنفسه انتقص سكناه لا يقال لمن كان بالكوفة وأهله ومتاعه بالبصرة هو من ساكني البصرة كذا ذكره الإمام قاضي خان -رحمه الله- (٢).

حتّى لو بقي وَتَدٌ (٣) يحنث لأن السكنى قد ثبت بالكلّ، فإن قيل قد ينتفي الشيء بانتفاء البعض كما ينتفي بانتفاء الكل كمجموع العشرة والدينار مثلاً فلم لم ينتف السكنى ههنا بانتفاء البعض.

[٤٢٧/ أ] قلنا: المجموع ينتفي بانتفاء البعض إذا كان المجموع من حيث الأجزاء كمجموع العشرة، أمّا إذا كان من حيث الإفراد لا ينتفي بانتفاء البعض كالرجال/ لا ينتفي بانتفاء بعض الرجال؛ لأن بعد ذلك يبقى الرجال، أمّا العشرة فعشرة باعتبار أجزائها، فما نقص منها شيء لا يبقى عشرة، والسكنى من قبيل الإفراد؛ لأنّه يقال ساكنًا باعتبار بقاء البعض، فإن السُوقِي عامة نهاره في السّوق ويقول اسكن سكة كذا، فصحّ الإخبار بالسّكنى فيها مع أنّ المخبر ليس هو فيها في عامّة أوقاته.

وذكر في المبسوط (٤): (فإنّ نقل بعض الأمتعة، فالمروي عن أبي حنيفة -رحمه الله- أنّه يحنث إذا ترك بعض أمتعته؛ لأنّه كان ساكنًا فيها بجميع الأمتعة فيبقى ذلك ببقاء بعض الأمتعة فيها، وهو أصل لأبي حنيفة -رحمه الله- حتى جعل بقاء صِفة السّكون في العصير مانعًا من أن يكون خمرًا، وبقاء مسلم واحد آمنًا في بلدة ارتدَّ أهلها مانعًا من أن تصير دار حرب؛ إلا أنّ مشايخنا -رحمهم الله- قالوا هذا إذا كان الباقي يتأتى به السكنى وأمّا ببقاء مكنسه أو وتدٌ أو قطعة حصير فيها لا يبقى ساكنًا فيها فلا يحنث.

وقال أبو يوسف -رحمه الله-: يعتبر نقل الأكثر، ومحمّد -رحمه الله- اعتبر ما يتأثث به؛ لأن السكنى به عادة تكون) والفتوى على قول أبي يوسف -رحمه الله- قالوا هذا الاختلاف في نقل الأمتعة، فأمّا الأصل فلابد من نقلهم بلا خلاف كذا في الفوايد الظهيرية (٥).


(١) المتاعُ: كل ما ينتفعُ به من عوض الدنيا قليلها وكثيرها. نظر: لسان العرب (٨/ ٤٩٥)، (متع).
(٢) انظر: الجوهرة النيرة (٢/ ٢٠٨).
(٣) الوَتِدُ والوَتَدُ، والوَدُّ: مارُزَّ في الحائِطِ أو الأَرْضِ من الخَشَبِ، والجمعُ: أَوْتادٌ.
انظر: المحكم والمحيط الأعظم (٩/ ٤١٤)، لسان العرب (٣/ ٤٤٤).
(٤) انظر المبسوط للسرخسي (٨/ ١٦٣).
(٥) انظر: المبسوط للسرخسي (٨/ ١٦٤).