للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله: في الصّحيح احتراز عن (قول بعض المشايخ -رحمهم الله- فإنّهم قالوا أنّه يحنث؛ لأنّه لما كان متمكّنًا من الامتناع فلم يمتنع صار كالأمر بالإخراج) كذا في المبسوط (١).

والمُضِيَّ بَعد ذلك ليس بِخُرُوجٍ؛ لأنّ الخروج عبارة عن الانفصال من الباطن إلى الظّاهر، وهو لم يوجد بل وُجد منه (الإِتيَانُ إلى حاجة أخرى) والإتيان غير الخروج؛ لأنّ الإتيان عبارة عن الوصول. (ولو حلف لا يخرج إلى مكة) ههنا ألفاظ ثلاثة:

أحدها: الخروج وقد ذكرنا الجواب عنه ويشترط للحنث فيما إذا عقد يمينه في الخروج إلى مكّة إن تَجَاوَز عُمْرَانَ مِصرِهِ على هذه العزيمة قال الله تعالى: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (٢) وأراد به الانفصال دون الوصول.

والثّاني: الإتيان ويشترط للحنث فيه الوصول قال تعالى: (فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ} (٣)

فالمراد به الوصول، وقال -عليه السلام-: «من أتى امرأته الحائض أو أتاها في غير مَأْتاها أو أتى كاهنًا وصدقه فيما قال فقد كفر بما أنزل على محمّد» (٤).

والثّالث: الذّهاب فقد اختلف فيه مشايخنا -رحمهم الله- قال نصير بن يحيى (٥) هو بمنزلة الإتيان لقوله تعالى: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ} (٦) وأراد به الإتيان، وقال محمّد بن سلمة: (٧) الذّهاب بمنزلة الخروج وهو الصّحيح، قال الله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} (٨) والتمسك به أنّ الإذهاب أفعال من الذّهاب والإذهاب هو الإزالة وكونه إزالة لا يفتقر إلى وصول الزّائر إلى محلّ آخر، فلما كان الإذهاب إزالة كان الذّهاب زوالًا فلا يشترط فيه الوصول أيضًا؛ ولأنّ الرجل إذا قصد سمرقند (٩) وخرج من بخارى (١٠)، صحّ أن قال ذهب إلى سمرقند، وهذا إذا لم ينو بالذّهاب شيئًا، وإن نوى به الإتيان أو الخروج صحّت نيته؛ لأنّه نوى ما يحتمله لفظه، ثم في الخروج والذّهاب يشترط للحنث الخروج عن قصد وفي الإتيان لا يشترط القصد للحنث بل إذا وصل إليه حنث قصدًا ولم يقصد كذا في الجامع الصّغير لقاضي خان -رحمه الله- والفوايد الظهيريّة (١١).


(١) انظر: المبسوط للسرخسي (٨/ ١٧١).
(٢) سورة النساء آية: (١٠٠).
(٣) سورة الشعراء آية: (١٦).
(٤) عن أبي هريرة، عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ أَتَى حَائِضًا، أَوِ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا، أَوْ كَاهِنًا، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ». رواه الترمذي في سننه (١/ ٢٤٢)، كتاب أبواب الطهارة، رقم (١)، باب ما جاء فِي كَراهِيةِ إِتيانِ الحائِض، رقم الحديث (١٣٥)، سنن ابن ماجه (١/ ٢٠٩)، كتاب الطهارة وسننها، رقم (١)، باب النَّهي عن إِتيان الحَائِض، رقم (١٢٢) رقم الحديث (٦٣٩)، مصنف ابن أبي شيبة (٣/ ٥٣٠)، كتاب النكاح، رقم (٩)، ما جاء في إِتيان النِّساء في أَدبارِهِنَّ وما جاء فِيه من الكراهةِ، رقم (١٦٨٠٩)، السنن الكبرى للنسائي (٨/ ٢٠١)، كتاب عشرة النساء، رقم (٥١)، ذكرُ اختلافِ أَلفاظِ النَّاقِلِين لخبر أَبي هُريرة في ذلك، رقم الحديث (٨٩٦٨)
"حكم الألباني": صحيح. انظر: إرواء الغليل (٧/ ٦٨)، رقم الحديث (٢٠٠٦).
(٥) هو نصير بن يحيى وَقيل نصر الْبَلْخِي تفقه على أبي سُلَيْمَان الْجوزجَاني عَن مُحَمَّد روى عَنهُ أَبُو عتاب الْبَلْخِي مَاتَ سنة ثَمان وسِتِّين ومِائتين -رحمه الله-. انظر: الجواهر المضية (٢/ ٢٠٠) رقم (٦١٩).
(٦) سورة طه آية: (٤٣).
(٧) هو محمد بن سَلمة الإِمام، المُحَدِّثُ، المُفتِي، أَبُو عبد الله الحرَّاني، تُوُفِّي في آخِر سنة إِحدى وتِسعِين ومائة، وقيل أَوَّل سنة (١٩٢). انظر: سير أعلام النبلاء ط الحديث (٧/ ٥٠٢)، رقم (١٣٢٦)، الثقات لابن حبان (٩/ ٤٠) رقم (١٥٠٦٨)، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (٧/ ٢٧٦)، رقم (١٤٩٤).
(٨) سورة الأحزاب آية: (٣٣).
(٩) سمرقند هي: مدينة مشهورة بما وراء النهر قصبة الصغد؛ قالوا: أول من أسسها كيكاوس ابن كيقباذ، وليس على وجه الأرض مدينة أطيب ولا أنزه ولا أحسن من سمرقند. وأهل سمرقند لهم مكارم أخلاق ومحبة في الغريب وهم خير من أهل بخارى. انظر: آثار البلاد وأخبار العباد للقزويني ص: (٥٣٥)، رحلة ابن بطوطة ط دار الشرق العربي (١/ ٢٩٣).
(١٠) بخارى: مدينة كبيرة عامرة من بلاد ما وراء النهر، ومقر ملك الشرق. وهي مكان رطب ذات فواكه كثيرة ومياه جارية. أهلها رماة وغزاة. ترتفع منها البسط والمصلّيات وثياب من الصوف تستحسن، والشورة التي تحمل إلى الآفاق. ومساحة بخارى اثنا عشر فرسخا في اثني عشر فرسخا، يحيط بها بأسرها سور، وبها قلعة ورباطات، وفي داخل هذا السور قرى. انظر: حدود العالم من المشرق إلى المغرب للسيد يوسف الهادي (١/ ١٢٦)، معجم البلدان (١/ ٣٥٣).
(١١) انظر: تبيين الحقائق (٣/ ١٢١).