للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشيراز: هو اللّبن الرايب أي الخاثر إذا استخرج منه ماؤه حتّى صار الصقراط كالفالوذج (١) الخاثر؛ لأن صفة البشورة والرطوبة داعية إلى اليمين والرّطب (وإن كان من جنس البسر إلا أنّ الإنسان قد يمتنع من تناول البسر، ولا يمتنع من تناول الرّطب، وكذلك في الرّطب والتمر، والاصل أنّه متى عقد يمينه على عين بوصف يدعوه ذلك الوصف إلى اليمين تتقيد اليمين ببقاء ذلك الوصف فينزل منزلة الاسم فلذلك (لا يحنث من حلف لا يأكل من هذا الرّطب فأكله بعدما صار تمراً)؛ لأنّ صفة الرطوبة داعية إلى اليمين، فقد يمتنع الإنسان من تناول الرطب دون التمر وهذا بخلاف ما لو حلف لا يكلم هذا الشّاب، فكلّمه بعدما شاخ يحنث؛ لأنّ صفة الشباب ليست بداعية إلى اليمين) كذا في المبسوط. (٢)

لأن هجران المسلم بمنع الكلام منهي عنه فكان الدّاعي وهو الصّبا والشّباب المانع من الصّحبة مردودًا شرعًا؛ لأن الشّرع أمرنا بتحمل أخلاق الصبيان والنصح لهم فبطل الدّاعي بدليل شرعي. بخلاف قوله لا يأكل من هذا الرطب؛ لأنّه لا حجة عن هجران هذه الرطوبة "و" (٣) الرّغبة فيها فوجب تقييده به كذا في الجامع لفخر الإسلام -رحمه الله- (٤).

فإن قلت: كيف يصحّ هذا التّعليل وهو قوله: لأنّ هجران المسلم إلى آخره في ترك ما دلّ عليه الكلام وهو الصّبا والشباب، مع أنّ اليمين تنعقد في الحرام المحض كما في قوله والله لتشربن الخمر اليوم، قلت: النّهي الشّرعي يصلح دليلًا على ترك الحقيقة فيما إذا كان الكلام محتملًا للمجاز حملًا لأمر المسلم على الصّلاح، وأمّا إذا عقد يمينه على الفعل الذي هو حرام محض قصدًا فينعقد فوجهه وما يقع به من الفرق بينه وبين النذر يأتي بُعَيد هذا.

(ومن حلف لا يأكل رطبًا أو بسرًا) إلى آخره (يقال بسر مذنب بكسر النون وقد ذنِبَ إذا بدا الإرطاب من قبل ذنَبِهِ وهو ما ينتقل من جانب القمع والعلاقة) (٥) كذا في المغرب.

اعلم أنّ في الإيضاح وشروح الجامع الصّغير للإمام قاضي خان والتمرتاشي -رحمهما الله- والفوايد الظهيريّة وغيرها (٦) ذكر قول محمّد -رحمه الله- مع أبي حنيفة -رحمه الله- في أنّه يحنث وذكر قول محمّد مع أبي يوسف -رحمهما الله- في الكتاب في أنّه لا يحنث والله أعلم بصحّته.


(١) الفالوذج: ويقال لها الفالوذ أو الفالوذق وهو: اسم فارسي معرب، نوع من الحلوى المطبوخة.
انظر: الصحاح (٢/ ٥٦٨)، (فلذ)، المخصص لأبو الحسن المرسي (١/ ١٤٤).
(٢) انظر: المبسوط للسرخسي (٨/ ١٨٢).
(٣) في (ب) " أو"
(٤) انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (١/ ٢٥٨).
(٥) انظر: المغرب (١/ ١٧٨).
(٦) انظر: تبيين الحقائق (٣/ ١٢٦)، العناية (٥/ ١٢٠).