للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: وإنّما يحنث إذا أكل اللّحم المطبوخ بالماء فأمّا القَليةُ اليابسةُ فلا يسمّى مطبوخًا) كذا في المبسوط (١).

«فيمينه على ما يكبس في التنانير) (٢) أي يُطعَمُ به التنور، أي يُدخَلُ فيه من كَبَسَ الرجلُ رأسه في جيبِ قَمِيصهِ إذا أدخله) (٣) ذكره في المغرب.

(وَيُبَاعُ في الْمِصْرِ) (٤) يعني يقع اسم الرأس على ما يتعارفونه رأسًا في البيع والشّراء، فلذلك لم يقع يمينه على رأس الجراد (٥) أو العصفور (٦) وإن كان رأسًا حقيقة فلما لم يرد به الحقيقة وَجَبَ اعتبار العرف، وهو ما يكبس في التّنانير ويُبَاعُ في السُّوقِ، فإن قيل: النّاس لا يبيعون لحوم الخنازير والأناسي في أسواقهم! ومع ذلك يحنث بالأكل إذا عقد يمينه على أكل اللّحم.

قلنا: الأصلُ في جنس هذه المسائل أن الإنسان متى عقد يمينه على فعل مضاف إلى شيء إن أمكن العملُ بحقيقتهِ يُعمل بحقيقته، وإن لم يكن متعارفًا، وإن لم يمكن تحقيقه يجب تقييدها بالمتعارف. بيانه إذا حلف لا يدخل بيتًا، فدخل كنيسةً (٧)، أو بيعةً، (٨) أو بيت نارٍ (٩)، أو كعبةً، لا يحنث؛ لأنّه تعذّر العمل بحقيقة البيت، فإنّه لا يمكن الدّخول في بيت العنكبوت، وبمثله لو حلف لا يهدم بيتًا، فهدم بيت العنكبوت يحنث وإن كان لا يتعارض؛ لأنّه أمكن العمل بحقيقته في حق الهدم، ولا يمكن العمل بحقيقته في حق الدّخول، إذا ثبت هذا فنقول ففيما نحن فيه إذا عقد يمينه على أكل الرأس فالعمل بحقيقته هنا ممتنع؛ لأنّ الرّأس اسم للعظم واللّحم، وأكل الكلّ ممتنع وإذا عقد يمينه على اللّحم فالعمل بالحقيقة ممكن؛ لأنّ ما هو اللّحم يؤكل بجميع أجزائه فيتقيد اليمين بالحقيقة. وعن هذا يخرج الجواب عمّا ورد شبهة بيمين من حلف لا يركب دابّة حنث، لا يحنث بركوب الكافر وغيره، وإن كان دابة حقيقة وقد وَرَدَ به الشّرع، لما أنّ من الدّابة ما لا يمكن الركوب عليها أصلًا، وإن كان اسم الدّابة فيه حقيقة كالنملة فلما لم يمكن أجزاء يمينه في الدّواب كلّها، وجب تقييدها بالمتعارف وهو الحمار والبغل والفرس وقد ذكرناه.


(١) انظر المبسوط للسرخسي (٨/ ١٧٨).
(٢) التَّنَانِيرُ: جَمْعُ تِّنُّورُ، وَهو الَّذِي يُخْبَزُ فِيهِ.
انظر: مختار الصحاح (١/ ٤٧)، المصباح المنير (١/ ٧٧)، (تنر).
(٣) انظر: المغرب (١/ ٣٩٩).
(٤) أي في الأسواق. انظر: البناية (٦/ ١٧٨).
(٥) الْجَرَادُ: مَعْرُوفٌ وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ وَالْوَاحِدَةُ (جَرَادَةٌ) الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ. سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجْرُدُ الْأَرْضَ أَيْ يَأْكُلُ مَا عَلَيْهَا. انظر: مختار الصحاح (١/ ٥٦)، المصباح المنير (١/ ٩٥)، (جرد).
(٦) الْعُصْفُور: هُوَ الطُّوَيْرُ الْمَعْرُوف، وَالْأُنْثَى (عُصْفُورَةٌ) انظر: المغرب (١/ ٣١٧)، مختار الصحاح (١/ ٢١٠)، (عصفر).
(٧) الْكَنِيسَةُ: متعبد الْيَهُودِ. انظر: العناية (٥/ ٩٦).
(٨) الْبِيعَةُ: مُتَعَبَّدُ النَّصَارَى. المصدر السابق.
(٩) بيبت النار: هو مَعْبَدُ الْمَجُوسِ. انظر تبيين الحقائق (٦/ ٢٩).