للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل أليس لو حلف لا يتزوّج النّساء لا ينصرف إلى عشرة؟ قلنا لقيام دلالة الإجماع أنّ المراد به الجنس لا معنى الجمع فصار كاسم الإنسِ والماءِ فانصرف إلى أقلّ ما يدخل تحت الاسم بالإجماع.

ألا ترى أنّ أبا حنيفة -رحمه الله- إن لم يصرف إلى العشرة فُهِمَا ما صَرفا إلى الكُل، بخلاف السّنين والجمع فعلم أن معنى الجماعة ساقط من النّساء بالإجماع.

فإن قيل ما ذكره من التّعليل لا يستقيم في الشّهور؛ فإنّه لا يقال ثلاثة شهور وإنّما يقال ثلاثة أشهر، قلنا بل يقال ثلاثة شهور أيضاً كما قال الله تعالى: (ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (١) كذا في الأسرار (٢).

وذكر في الفوائد الظهيرية (٣) قال -رضي الله عنه- (٤) ولي في هذه المسألة إشكالات:

أحديها: أنّ اسم الجمع قد لا ينتهي بالعشرة، ألا ترى إلى قوله تعالى: (وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا} (٥) ولم يقل سبطًا.

والثّانية: أن اسم الجمع إنّما ينتهي بالعشرة إذا كان مقرونًا بالعدد كما في عشرة أيّام، وأمّا إذا لم يكن مقرونًا به فلا، ألا ترى إلى قوله تعالى: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} (٦) ولا يراد بها العشرة قصراً عليها إجماعاً.

والثّالثة: أجمعنا على أنّه لو قال لا نشتري العبيد أو لا نتزوّج النساء لا ينصرف إلى العشرة وإنّما ينصرف إلى الواحد، وكذلك المساكين ينصرف إلى ستّة في قوله لله عليّ أن أتصدق على المساكين، ثم قال وجواب هذه الإشكالات يأتي في الجامع إن شاء الله تعالى.

وقيل لو كان اليمين بالفارسية ينصرف إلى سبعة؛ لأنّه يذكر فيها أي في الفارسيّة بلفظ الفرد دون الجمع بيان هذا فيما ذكره الإمام صدر الإسلام أبو اليسر (٧) في الجامع الصّغير (٨) فقال بعد ذكر الاختلاف المذكور كما هو: وهذا الاختلاف بلسانهم، أمّا بلساننا فلا يجيء بل ينصرف إلى أيّام الجمعة وهي سبعة أيام بلا خلاف، حتّى لو قال لعبده اكر/ خدمتي كني مرار وزهاء بسيار تواذا ادمي إذا خدم سبعة أيّام ينبغي أن يعتق؛ لأنّ في لِساننا يُستعمل في جميع الأعداد لفظة روز فلا يجيء ما قال أبو حنيفة -رحمه الله- في العربية من انتهاء لفظ الجمع إلى العشرة فلذلك أريد في العربية أكثر ما ينطلق عليه اسم الأيّام؛ لأن بعد ذلك لا يقال أيّام بل يقال أحد عشر يومًا ومائة يوم وألف يومٍ والله أعلم.


(١) سورة البقرة آية: (٢٢٨).
(٢) انظر: كشف الأسرار (١/ ٨٠).
(٣) انظر: المبسوط للسرخسي (٩/ ١٧).
(٤) محمد بن احمد بن عمر ظهير الدين أبو بكر البخاري.
(٥) سورة الأعراف آية: (١٦٠).
(٦) سورة آل عمران آية: (١٤٠).
(٧) القاضي أبو اليسر محمد بن محمد بن الحسين البزدوي الحنفي المعروف بصدر الإسلام، وهو أخو الإمام فخر الإسلام البزدوي أبي العسر، وكان أبو اليسر من الفقهاء الكبار بما وراء النهر، ومن فحول المناظرين، تولى القضاء بسمرقند، وكان يدّرس ببخارى، وكني بأبي اليُسر ليُسْر تصانيفه (ت ٤٩٣ هـ).
انظر: الجواهر المضية (٤/ ٩٨)، تاج التراجم (ص/ ٢٧٥)، الفوائد البهية (ص/ ٢١٠).
(٨) انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (١/ ٢٦٦).