للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا الاختلاف في المنكر هو الصّحيح وهذا احتراز عن رواية بشر (١) عن أبي حنيفة -رحمه الله- أن المعرف والمنكر سواء في جواب التوقف.

فإن قلت فقد ذكر في الجامع الكبير وأجمعوا فيمن قال: إن كلمتك دهوراً أو أزمنة وشهوراً وسنين أو جُمعًا أو أيامًا يقع على ثلاثة من هذه المذكورات؛ لأنّها أدنى الجمع المتفق عليه فكان أبو حنيفة -رحمه الله- قائلاً أيضاً في دهور منكرة بثلاثة منها فكلّ دهر ستّة أشهر كما هو قولهما وبهذا نطق نظم الجامع الكبير بقوله:

وأطبقوا بثلاث في منكرّها … أنّ الثّلاثة أدنى الجمع في العدد

فلمّا درى أبو حنيفة -رحمه الله- معنى الدّهر المنكر في الجمع فكيف لم يدر معناه في المفرد مع أن دراية معنى الاسم في المجموع موقوفه على درايته في الإفراد.

قلت: هذا تفريع لمسألة الدّهر على من قول من يعرف معنى الدّهر، فكأنه قال إن وقف إنسان على معنى الدّهر يجب عليه أن يقول في الجمع المنكر منه بثلاثة كما في الأزمنة والشّهور فكان هذا نظير ما فرع من مسائل المزارعة مع أنّه لا يدري جوازها، وكذلك قال بالعشرة إذا كان يمينه بالدّهور على صيغة الجمع محلّى بالألف واللام كما هو أصله في السّنن والشّهور إلى هذا أشار الإمام التمرتاشي -رحمه الله- (٢).

ولو حلف لا يكلمه الشّهور إلى آخره، وحاصله أنّه إذا حلف وقال لا يكلّمه الأيّام أو الشّهور أو السّنين فعند أبي حنيفة -رحمه الله- ينصرف يمينه إلى العشرة ممّا سمّى من الأيّام والشّهور والسّنين، وعندهما إلى سبعة أيّام في الأيّام وإلى اثنى عشر شهراً في الشّهور وإلى العمر في السّنين وذلك (لأنّ الألف واللام للمعهود فيما فيه معهود والمعهود في الأيّام السّبعة التي تدور عليها الشّهور والسّنون كلما دارت عادت والمعهود في الشّهور اثنا عشر شهراً، وليس في السّنين معهود فيستغرق العمر وأبو حنيفة -رحمه الله- يقول الألف واللام للكثرة، فكأنّه قال أيامًا كثيرة وأكثر ما تناوله اسم الأيام مقرونًا بالعدد العشرة، لأنّه يقال بعده أحد عشر يومًا وكذلك في الشّهور في السنين فينصرف يمينه إلى العشرة ممّا سمّى) كذا في المبسوط (٣).


(١) بشر بن الوليد: ابن خالد، الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، المُحَدِّثُ، الصَّادِقُ، قَاضِي العِرَاقِ، أَبُو الوليد الكندي، الحنفي. ولد في حدود الخمسين ومائةٍ، وسمِع من: عبد الرحمن بن الغَسيل-وهو أكبر شيخٍ له-ومن: مالك بن أنسٍ، وحمَّاد بن زيدٍ، وحشرج بن نباتة، وصالحٍ المُرِّيِّ، والقاضي أبي يوسفَ-وبه تَفَقَّه وتميَّز، كان إماماً واسِع الفقه كثير العلم صاحب حديثٍ وديانةٍ وتعَبُّدٍ، قيل: كان ورده في اليومِ مائتي ركعةٍ وكان يحافظ عليها بعد ما فلج واندك، -رحمه الله-. مات بشر سنة ثمان وثلاثين ومائتين.
انظر: سير أعلام النبلاء ط الحديث (٩/ ٦٦)، ميزان الاعتدال (١/ ٣٢٦).
(٢) انظر: البناية (٦/ ٢٠٧).
(٣) انظر: المبسوط للسرخسي (٩/ ١٧).