للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحاصله أنَّ الإسلام لا ينافي بقاء حكم الاسترقاقلأنَّ الرقبة ثبتت بطريق التَّبعية، فبقاؤها يكون تَبعًا لما وجد في حقِّه حالة الكفر، ولكنَّ الإسلام ينافي بقاء حكم القتل؛ لأنَّالقتل في هذا جزاء الكفر الحقيقي، لا جزاء أثره؛ ولهذا لا يثبت حكم القتل بطريق التبعية.

(وإن شاء تركهم أحرارا) فإنْ قيل: ينبغي أنْ لا يثبت خيار ترك القتل لقوله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [النساء: ٨٩]، فعلى هذا استقرَّ أمر الجهاد على ما مرَّ ذكره. قلنا: خُصَّمن هذه الآية أهلالذِّمة (١) والمستأمنون (٢) والنِّساء وغير ذلك، فيخصّ المتنازع عنها بفعل عمر -رضي الله عنه- بمحضر من الصحابة.

قوله: (لِما بيَّنَّا) إشارة إلى قوله: (كذلك فعل عمر -رضي الله عنه- بسواد العراق) إلى آخره.

" (وَالْمُفَادَاةُ) بَيْنَ اثْنَيْنِ، يُقَال فَادَاهُ: إذَا أَطْلَقَهُ وَأَخَذَ فِدْيَتَهُ" (٣) كذا في المغرب (٤)، ومنه قوله: (ولا يفادي بالأسارى عند أبي حنيفة)، أي: لا تؤخذ فدية بمقابلة إطلاق الأسارى التي في أيدي المسلمين، يعني: "فداكرفته نشورنه، بمال، ونه أسير مسلم در مقابلة إطلاق أسير/ كافران" (٥).

وما ذَكر ههنا موافِق لما ذَكر في الإيضاح، فقال فيه: الأصل عند أبي حنيفة -رحمه الله-: لا يجوز مفاداة أساراهم بالأسارى ولا بغيرهم من المال (٦).


(١) من أهل الذمة، معناه: من أهل العهد. قال الله عز وجل: {لا يرقبون في مؤمن إلّا ولا ذِمَّةً} (٤٢) فالإِلّ: القرابة، والذمة: العهد. الزاهر في معاني كلمات الناس (١/ ٤٨٠).
(٢) المُستأمِن: من الاستئمان وهو طلب الأمان من العدو حربيًا كان أو مسلمًا. أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء (ص: ٦٦).
(٣) المغرب في ترتيب المعرب (ص: ٣٥٣).
(٤) المغرب في ترتيب المعرب، في اللغة للإمام ناصر بن أبي المكارم عبد السيد بن علي المطرزي الملقب ببرهان الدين، المتوفى سنة ٦١٠ هـ، وهو شرح لكتاب "المعرب"، قال ابن خلكان: "وهو للحنفية بمثابة كتاب الأزهري للشافعية"، وقد تكلّم في كتابه عن الألفاظ التي يستعملها الفقهاء من الغريب، وهو مطبوع.
وفيات الأعيان (٥/ ٣٧٠)، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (٢/ ١٥٥٦)، الأعلام للزركلي (٧/ ٣٤٨).
(٥) عبارة فارسية بمعنى: لا يطلق الأسير الكافر بمقابلة إطلاق الأسير المسلم. والله تعالى أعلم، أفادني بها الأستاذ/ أحمد فواز الحمير.
(٦) ينظر العناية شرح الهداية (٥/ ٤٧٤).