للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله-: يجوز المفاداة بالأسارى، ولا يجوز بالمال (١).

وجَعَل في السّير الكبير (٢) ما ذكر من قولهما هنا ظاهرَ روايةِ أصحابنا، فقال: لا بأس بأنْ يُفادى أسرى المسلمين بأسرى المشركين الذين في أيدي المسلمين من الرِّجال والنِّساء، وهذا قول أبي يوسف ومحمد، وهو أظهر الرِّوايتين عند أبي حنيفة -رحمه الله-، وعنه في رواية أخرى أنَّه قال: لا يجوز مفاداة الأسير بالأسير.

ثم قال: وَجْه ظاهر الرّواية (٣) أنَّ تخليص أسرى المسلمين من أيدي المشركين واجب، ولا يُتَوصَّل إلى ذلك إلا بطريق المفاداة (٤).

قوله: (لِمَا بيَّنَّا) إشارة إلى قوله: (أنَّ فيه معونة للكَفَرة؛ لأنَّه يعود حربًا علينا، وفي السّير الكبير أنَّهلا بأس به) أي: بالمفاداة بمال نأخذه منهم (استدلالًا بأسرى بدر) (٥).


(١) ينظر المبسوط للسرخسي (١٠/ ٢٤_ ١٤٠)، تحفة الفقهاء (٣/ ٣٠٢).
(٢) السّير الكَبير، في الفقه. للإمام: محمد بن الحسن الشيباني، صاحب أبي حنيفة، وهو آخر مصنفاته، صنفه بعد انصرافه من العراق. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (٢/ ١٠١٣)، وهو مطبوع.
(٣) ظاهر الرواية: هي أقوال الأئمة الثلاثة والتي تضمنتها كتب محمد الستة، وهي "المبسوط، والزيادات، والجامع الصغير، والجامع الكبير، والسير الصغير، والسير الكبير". ينظر مصطلحات المذاهب الفقهية لمريم الظفيري ص (١٠٥).
(٤) ينظر شرح السير الكبير (ص: ١٥٨٧).
(٥) قال أبو زميل، قال ابن عباس: فلما أسروا الأسارى، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر، وعمر: "ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ " فقال أبو بكر: يا نبي الله، هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما ترى يا ابن الخطاب؟ " قلت: لا والله يا رسول الله، ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم، فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكني من فلان نسيبا لعمر، فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد جئت، فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول الله، أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة - شجرة قريبة من نبي الله -صلى الله عليه وسلم- وأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: ٦٧] إلى قوله: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} [الأنفال: ٦٩] فأحل الله الغنيمة لهم.
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر، وإباحة الغنائم، برقم (١٧٦٣) ٣/ ١٣٨٣.