للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر في الإيضاح: ولا دلالة فيه، فإنَّ سورة براءة آخر ما نزلت، وقد تضمنَّت وجوب القتل على كل حال، بقوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: ٥]، فكان ناسخًا (١).

وقال أبو يوسف -رحمه الله-: يجوز المفاداة بالأسرى قبل القسمة، ولا يجوز بعدها. وقال محمد -رحمه الله-: يجوز على كل حال (٢).

(ولا يجوز المَنُّ عليهم) (أي: على الأسارى).

المراد من المنِّ هو: الإنعام عليهم بأنْ يتركهم مجانًا من غير استرقاق ولا ذِمَّة ولا قتل.

وعلَّل في السّير الكبير بقوله: "لأنَّ في المنِّ على الأسير تمكينهمن أنْ يعود حربًاللمسلمين بعد الظُّهور عليه، وذلك لا يحِل" (٣)، وقد بيَّنَّا أنَّ حكم المنِّ الثابت بقوله: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ} [محمد: ٤]، قد انتسخ بقوله {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥]، والذي رُوي أنَّالنَّبي -عليه الصلاة والسلام- مَنَّعلى أَبي عزة الجمحي (٤) يوم بدر (٥)، فقد كان ذلك قبل انتساخ حكم المنِّ. ألا ترى أنَّه وقع أسيرًا يوم أحد، وطلب من رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أن يمُنَّ عليه،


(١) ينظر العناية شرح الهداية (٥/ ٤٧٦).
(٢) ينظر المبسوط للسرخسي (١٠/ ١٤٠)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٧/ ١٢٠).
(٣) السير الكبير (٣/ ١٠٣٠).
(٤) عمرو بن عبد الله بن عثمان الجمحيّ: شاعر جاهلي، من أهل مكة. أدرك الإسلام، وأسر على الشرك يوم بدر، فامتنّ عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فنظم قصيدة يمدحه بها، ثم لما كان يوم أحُد دعاه صفوان بن أمية، للخروج، فقال: إن محمدا قد من عليّ وعاهدته أن لاأعين عليه، فلم يزل به يطمعه حتى خرج وسار في بني كنانة، ونظم شعرا يحرض به على قتال المسلمين. فلما كانت الوقعة أسره المسلمون، فقال: يارسول الله منَّ عليَّ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، وأمر به عاصم بن ثابت، فضرب عنقه. توفي سنة (٣ هـ) الأعلام للزركلي (٥/ ٨٠ - ٨١).
(٥) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب السير، باب مايفعله بالرجال البالغين، برقم (١٨٤٨٧) ٩/ ٦٥.