للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وتأويله أنْ يشهدها على قصد القتال)، أي: يشهد الوَقْعة، وهي القتال (على قصد القتال) أي: قاصدًا لقتال الكفار. أَلا ترى أنَّ الكفّار قد شهدوها أَيضًا للقتال، وليس لهم حقٌلأنَّهم لم يحضروها لقتال الكفار.

(وإن لم يكن للإمام حمولة) -بفتح الحاء- مَا يُحمَل عليه من بعير أو فرس أو بغل أو حمار.

قوله: (لأنَّه ابتداء إجارة) أي: مِن كلِّ وجه. هذا احتراز عن إجارةٍ مستأنفةٍ في حالة البقاء؛ فإنَّه يجبر على الإجارة بالاتفاق (١)؛ كما في مسألة السَّفينة. فإنْ استأجرسفينةً شهرًا، فمضت المدّة في وسط البحر، فإنَّهينعقد عليها إجارة أخرى بأجر المثل بغير رِضا المالك (٢)، كذا في المحيط.

(ويجبرهم في رواية السير الكبير).

وَذَكَر في أواخِر الدَّفتر الأوَّل من السّير الكبير في "باب ما يحمل عليه الفيء وما يركبه الرجل من الدواب": "وإنْ رأى الإمام/ أنْ يستأجر الحمولة من أصحابها بأجرٍ معلوم؛ فذلك صحيح، ويكون الأجر من الغنائم، يبدأ به قبل الخمس، لأنَّ في هذا الاستئجار منفعة للغانمين؛ فهو كالاستئجار لسوق الغنم والرّمَك (٣). وحقُّ أصحاب الحمولة في ذلك لا يمنع صحّة الاستئجار؛ لأنَّه لا ملك لهم فيها قَبل الإحراز والقِسمة، وشركة الملكهي التي تمنع من صحّة الاستئجار لا شركة الحقّ؛ كما في مال بيت المال. ويستوي في ذلك إِنْ رضي به أصحابُ الحمولة، أو أبَوا، إذا كان بِهم غِنى عن تلك الحمولة؛ لأنَّهم بهذا الإباء قصدوا التعنُّت، فإنَّ في هذا الاستئجار منفعةً لهم من حيث أنَّه تحصل لهم الأجرة بمقابلة منفعة لا يبقى لهم بدون هذا الاستئجار، وفيه منفعة للغانمين أيضًا، فكانوا مُتَعنِّتين في الإباء، والقاضي لا يلتفت إلى إباء المتعنِّت. ولأنَّ ابتداء الاستئجار وبقاء الإجارة عند تحقُّق الحاجة صحيح من غير الأمير، فَمِن الأمير أولى، وبيانه في استئجار السّفينة على ما ذكرنا؛ وكذلك استئجار الأوعية لحَمْل المائع فيها مُدَّةً معلومةً إذا انتهت المدّة، وهم في المفازة، وكذلك إذا استأجر دابَّة لحمْل الأمتعة من موضِع إلى موضِع مدَّةً معلومةً، فانتهت المدّة، وهم في المفازة، أو مات صاحب الدَّابة، فإنَّه يبدأ العَقد بعد انتهاء المدَّة، ويبقى بعد الموت في هذه المواضع بأجْر المثْلِ، وبالمسمى في حالة البقاء، وكان ذلك لأجل الحاجة، فكذلك في الغنائم إذا تحقّقت الحاجة إلى حملها" (٤) هكذا قرأتُشرح السير الكبير المنسوب إلى الشيخ الإمام (٥) شمس الأئمة السَّرخسي (٦) على شيخي.


(١) ينظر: العناية شرح الهداية (٥/ ٤٨٣)، البناية شرح الهداية (٧/ ١٤٤).
(٢) ينظر المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٧/ ٤٣٧).
(٣) الرَّمَكَةُ: الْأُنْثَى مِنْ الْبَرَاذِينِ وَالْجَمْعُ رِمَاكٌ. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (١/ ٢٣٩).
(٤) شرح السير الكبير (ص: ١٠٤٤ - ١٠٤٥).
(٥) في (ب) "الإمام الأجل".
(٦) شرح السير الكبير للإمام، شمس الأئمة: محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي المتوفى: سنة ٤٨٣، في جزأين ضخمين، وقد أملاه محبوسًا. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (٢/ ١٠١٤).