للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: (ولو تعذَّر أو تعسَّر إلى) … آخره، هذا جواب منه على طريق التَّسليم بأنَّالوقوف متعسِّر على حقيقة القتال في تلك الحالة فقال: فلمَّا تعسَّر وَجب أنْ يعلَّق حكم كونِه فارسًا أو راجلًا بحاله، وهي (١) أقرب إلى القِتال، وهي شهود الوَقْعة لا مجاوزة الدَّرب.

(وَلنا أنَّ المجاوَزةَ نفسَها قِتالٌ) / وهذا لأنَّ القتال اسمٌ لفِعل يقع به غَيظ العَدو، والخوف، ودخول دارِهِم عن شَوكة، وقوَّة سبب لإرهابهم وغيظهم وقهرهم، قال الله تعالى: {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: ٦٠]. وقال: {وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ} [التوبة: ١٢٠].

فثبت (أنَّ المجاوزة قِتال) فَمَتَى وُجِد أصلُ القتال فارسًا لم يتغيَّر حكُمه بتغيُّرِ أحوالهم بعد ذلك؛ لأنَّ ذلك حالة دوامِ القتال، والمنظور إليه أَصل القتال لا دوامه؛ "لأنَّه لا يمكن تعليق الحكم بدوامِه؛ لأنَّ الفارس لا يمكنه أنْ يقاتِل فارسًا دائمًا؛ لأنَّه لا بد له من أنْ ينزِل في بعض المضايق خصوصًا في المَشجَرة أو في الحِصن أو في البحر"، (٢) كذا في مبسوط فخر الإسلام (٣).

ثم ما ذكر من تعليق الأحكام، قلنا ذلك في حكم الرضخ، و"الرضخ ليس نظير السهم، ألا ترى أنه غير مقدَّر بشيء فلا يستقيم اعتبار السّهم بما هو دونه" (٤) كذا في المبسوط.

(وَلا مُعتبَر بها) أي بحالة الدَّوام بالإجماع (٥)، فإنَّه يُعتبر الشُّهود فحسب.

وذكر في الأسرار في تعليل الشَّافعي: إلّا أنَّا لم نشترط قيام الفرس حال القتال والوغى؛ لأنَّ فعل القتال بعد الشُّهود ليس بشرط، ولو تركه استحقَّ السَّهم أي: بمجرَّد شهود الوَقْعة، فكذا إذا فات بِفَوت الفَرَس؛ فَأمَّا قبل الشُّهود لو تَرَك القتال، ولم يشهَد المعركة لم يستحقَّ السَّهم، فكذلك إذا فات بفَوتِ الفرس قبل الشهود.

(لَم يسقط سهم الفرسان) أَي: بالإجماع (٦). وذكر في المحيط: ومن جاوز الدَّرب بفرس لا يستطيع القتالَ عليه، إمَّا لكِبَر ذلك الفرس أو لصِغَره بأنْ كان مُهرًا لم يركب عليه، لا يستحقُّ سَهم الفرسان، وإنْ كان مريضًا فهو على التفصيل المذكور فيه (٧).


(١) في (ب) "هي" بدل "وهي".
(٢) العناية شرح الهداية (٥/ ٥٠٠)، البناية شرح الهداية (٧/ ١٦٦).
(٣) هو مبسوط فخر الإسلام لعلي بن محمد البزدوي. المتوفى: سنة ٤٨٢، في: أحد عشر مجلدا. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (٢/ ١٥٨١).
(٤) المبسوط للسرخسي (١٠/ ٤٣).
(٥) ينظر الإقناع في مسائل الاجماع (١/ ٣٤٢).
(٦) ينظر الإجماع لابن المنذر (ص: ٦٣).
(٧) وهو قوله: وإن كان مريضًا بحيث لا يستطاع القتال عليه بأنْ أصابه رهصة أو صلع، فجاوز الدّرب به، ثم زالالمرض، وبرأ وصار بحال يقاتل عليه، وكان ذلك قبل إصابة الغنائم في الاستحسان يسهم. ينظر الفتاوى الهندية (٢/ ٢١٣).