للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واختلفوا في الخمس كيف يُقسم. قال علماؤنا: على ثلاثة أسهم: لليتامى، والمساكين، وأبناء السبيل. وقال الشافعي: على خَمسة أسهم: سهمٌ للإمام يصرِفه على مصالح الدّين على ما يرى، وسهم لذوي القربى، ثم الثلاثة (١)؛ لأنَّ الله تعالى قسمها على خمسةَ أسهُم في قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: ٤١] الآية؛ إلا أنَّ سَهم الله وسهم رسوله واحد، والله تعالى ذُكِر تبركًا به، كذا جاء في التفسير، فما كان لرسول الله -عليه الصلاة والسلام- كان بحقِّ الإمامة للأمَّة، فاستحقَّها من خلفه في الإمامة،/ وقال -عليه الصلاة والسلام-: "يا بني هاشِم إنَّ الله تعالى قَد حرَّم عليكم غُسالة الناسوأَوساخهم، وعوَّضكم منها بخُمس الخمس" (٢)، فتبيَّن أنَّ سهم ذوي القربى ثابت، وإنَّ خمس الخمس وإنما يكون كذلك إذا قسم على خمسة أسهم (٣)، كذا في الأسرار.

(لقوله تعالى: {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: ٤١] من غير فصل بين الغني والفقير).

فإنْ قلتَ: كما أنَّ الله تعالى لم يفصل بين الغني والفقير في ذوي القربى، فكذلك لم يفصل في ذِكر اليتامى بين الغني والفقير، فبالاتفاق يشترط الفقر في اليتامى في استحقاق الخُمس، فيجب أنْ يكون في ذوي القربىكذلك، قلتُ: فرَّق الشافعي بينهما وقال: فاسم اليَتيم ما ينبئ عن الحاجة حتَّى لو أوصى ليتامى بني فلان، وهم لا يُحصَون فالوصية لفقرائهم، بخلاف ما إذا أَوصى لأقرباء فلان. وقد كان رسول الله -عليه الصلاة والسلام- يعطي الأغنياء منهم، فإنَّه أعطى العباس، وقد كَان له عشرون عبدًا، كلُّ عبدٍ يتَّجر في عشرين ألف (٤).

"وعوضكم منها بخمس الخمس" (٥)، (والعِوض إنَّما يَثبت في حقِّ من ثَبَت في حقِّه المعوَّض، وَهم الفُقراء) يعني: أنَّ المعوَّض، وهو الزكاة، لا يجوز في حقِّ الأغنياء، فكذلك يجب أنْ يكون عِوَض الزكاة، وهو الخُمس من الغنائم، أنْ لا يجوز على الأغنياء مِن ذوي القربىلأنَّ العِوض إنَّما َيثبت في حقِّ من فات عنه المعوَّض، وإلَّا لا يكون عِوضًا لذلك المعوَّض.


(١) ينظر الحاوي الكبير (٨/ ٤٢٩)، المجموع شرح المهذب (١٩/ ٣٦٩).
(٢) قال الزيلعي في نصب الراية: "غريب بهذا اللفظ". ينظر نصب الراية (٢/ ٤٠٣)، وروى مسلم في حديث طويل من رواية عبد المطلب بن ربيعة مرفوعا: "إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد، ولا لآل محمد" أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب ترك استعمال آل النَّبي على الصدقة، برقم (١٠٧٢) ٢/ ٧٥٤.
(٣) ينظر البناية شرح الهداية (٣/ ٤٦٠).
(٤) ينظر حاشية البجيرمي على شرح المنهج = التجريد لنفع العبيد (٣/ ٣٠٠).
(٥) سبق تخريجه.