للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإنْ قيل: إنَّكم ما عمِلتم بموجِب هذا الحديث حَيثُ لم تَجعلوا الخُمس على خَمسة أسهُم، بَل جَعلْتُم عَلى ثَلاثةِ أسهُم، فكيف تتمسَّكون بهذا الحديث؟

قلنا: للحديث دلالتان:

إحداهما: إِثباتُ العِوض في المحلِّ الَّذي فَات عنه المعوَّض على ما ذكرنا.

والثانية: جعْلُه على خَمسة أسُهم، ولكنْ قام الدَّليل لنا على انعدام حُكم جعل الخُمس على خمسة أسهُم، وهو فعل الخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم- على ثلاثة أسهم (١). وَلم يَقُم الدليل على تغيُّر العِوَض، فمَنْ مات في حقِّه المعوَّض فَقُلنا به، ونظير هذا ما تمسَّك به الخَصم في تكرار صلاة الجنازة بحديث (٢) أنَّالنَّبي -عليه الصلاة والسلام- صلّى على حمزة سبعين صلاةً (٣) وَهُو لا يَقُل بالصَّلاة على الشهيد، ولكن يقول: للحديث دلالتانِ: فإحداهما باقيةٌ، وَإِن انتسخت الأُخرى (٤)؛ فَعُلِم بهذا أنَّ الخَصم عَمِل هناك بمثل ما عملنا ههنا.


(١) روى أبو يوسف عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنّ الخمس الذي كان يقسم على عهده عليه السَّلام على خمسة أسهم: لله والرسول سهم، ولذي القربى واليتامى سهم، وللمساكين سهم، ولابن السبيل سهم، ثم قسم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي على ثلاثة أسهم: سهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل قال في فتح القدير: "فإن الكلبي مضعف عند أهل الحديث". فتح القدير للكمال ابن الهمام (٥/ ٥٠٤).
وأخرج الطحاوي في شرح معاني الآثار ما يدل عليه، كتاب وجوه الفئ وخمس الغنائم، برقم (٥٤٣٩) ٣/ ٣٠٩، عن محمد بن إسحاق، قال: "سألت أبا جعفر، قلت: أرأيت علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- حيث ولي العراق وما ولي من أمر الناس، كيف صنع في سهم ذوي القربى؟ قال: سلك به، والله، سبيل أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- … ".
(٢) في (ب) "لحديث".
(٣) أخرجه أحمد في مسنده، برقم (٤٤١٤) ٧/ ٤١٩ من حديث ابن مسعود " … فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، حَمْزَةَ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَجِيءَ بِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَوُضِعَ إِلَى جَنْبِهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَرُفِعَ الْأَنْصَارِيُّ، وَتُرِكَ حَمْزَةُ، ثُمَّ جِيءَ بِآخَرَ فَوَضَعَهُ إِلَى جَنْبِ حَمْزَةَ فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ رُفِعَ، وَتُرِكَ حَمْزَةُ حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ صَلَاةً".
قال إمام الحرمين هذا خطأ لم يصححه الأئمة، وقال ابن حزم: قولهم إنه صلى على حمزة سبعين صلاة، أو كبر سبعين تكبيرة، باطل بلا شك. ينظر البدر المنير (٥/ ٢٥٠).
(٤) ينظر العناية شرح الهداية (٥/ ٥٠٥).