للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: لا نَسْخ بعد رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، قلنا: نعم كذلك، ولكنْ لا بقاء للحكم بعد ذهاب العلَّة، فإنْ نُصْرةَالنَّبي -عليه الصلاة والسلام- أَينما ذَهب كانتْ فَرضًا حال حياته، وسقطت بعده لذهاب العلَّة، وهو رسول الله -عليه الصلاة والسلام- (١)؛ كذا في الأسرار.

"الشَّبك: الخلط والتَّداخل، ومنه تشبيك الأصابع" (٢)؛ كذا في الصحاح.

(ودَلَّ أنَّ المراد من النَّص قُرْب النُّصرة لا قُرْب القرابة). وبهذا التقرير يندفع سؤال من سأل بأنْ قال: قال الله تعالى: {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: ٤١]؛ رتَّب الاستحقاق على لفظ مشتقٍّ، فكان موضِع الاشتقاق، وهو القرابة، عِلَّة لذلك الحكم، كما في الزاني والسارق، ثمَّ كلُّ مالٍ يُستحقّ بالقرابة يُقسَم قِسمة الميراث، كالتركات، فحينئذٍ يشترك فيه الغني والفقير.

فأجاب عنه بهذا وقال: نَعم، إن الحكم مرتب على لفظ مشتق وهو ذو القربى، لكن المراد منه قُرب النُّصرة لاقُرب القَرابة بدليل تعليل النَّبي -عليه الصلاة والسلام- ذلك بقوله: "أنَّهم لم يزالوا معي في الجاهلية والإسلام" (٣).

فإنْ قيل: الاستحقاق كان بالقرابة، ولكنْ بنو المطلِّب حُرِموا لسبَب خذلانهم رسول الله -عليه الصلاة والسلام- في الجاهلية، ويجوز أنْ يتعلَّق الحرمان بالخذلان كما أنً صلة الإرث يحرُم بالقتل الذي هو جناية في حق المورّث. قلنا: لو كان علَّة الاستحقاق القرابة لما شارك غير القريبِ القريبَ (٤) بالاشتباك على وَجه المساواة في الاستحقاق؛ ألا تَرى أنَّ الحليف (٥) مع القريب لا يتساويان في استحقاق الإرث.


(١) ينظر الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة (ص: ١٧١)، العناية شرح الهداية (٥/ ٥٠٩).
(٢) الصّحاح تاج اللغة وصحاح العربية (٤/ ١٥٩٣).
(٣) أخرجه أبوداود في سننه، كتاب الخراج والفئ والأمارة، باب في بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذوي القربى برقم (٢٩٨٠) ٤/ ٥٩٧، والنسائي فس سننه برقم (٤١٣٧) ٣/ ١٣٠ عن جبير بن مطعم قال: لما قسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سهم ذي القربى بين بني هاشم، وبني المطلب أتيته أنا وعثمان بن عفان فقلنا: يا رسول الله، هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي جعلك الله به منهم، أرأيت بني المطلب أعطيتهمومنعتنا، فإنَّما نحن وهم منك بمنزلة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنّهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام، إنّما بنو هاشم، وبنو المطلب شيء واحد"، وشبك بين أصابعه.
أصله في البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، برقم (٤٢٢٩) ٥/ ١٣٧.
(٤) ساقط من (ب).
(٥) الحليف: المعاهد يقال منه تحالفا إذا تعاهدا، وتعاقدا على أن يكون أمرهما واحدا في النصرة، والحماية. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (١/ ١٤٦)