للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر في المبسوط: "فأمَّا سَهم ذوي القربى فقد كان رسول الله -عليه الصلاة والسلام- يصرفه إليهم في حياته، وهم صلبية بني هاشم وبني المطلب، ولم يبقَ لهم ذلك بعده عندنا. وقال الشَّافعي: هو مستحَقٌّ لهم، يُجمعون من أقطار الأرض، فَيُقسم بين ذكورهم وإناثهم بالتسوية (١). وكان الكرخي يقول: إنَّما سقط بموته هذا السَّهم في حقِّ الأغنياء منهم دون الفقراء. والطحاوي (٢) كان يقول: سَقط في حقِّ الفقراء والأغنياء منهم جميعًا. وكان أبو بكر الرَّازي يقول: لم يكُنْ لهم هذا السَّهم مستحقًا بالقرابة، بل كان لرسول الله -عليه الصلاة والسلام- يصرفه إليهم مجازاةً على النُّصرة التي كانت منهم، ولم يبقَ ذلك المعنى بعد رسول الله -عليه السلام-؛ قال: والاعتماد على هذا" (٣).

ثم قال: "ومِن مشايخنا مَن قال: إنَّ الاستحقاق للفقراء منهم دون الأغنياء، واستدلَّ بقوله تعالى: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: ٧]؛ فبيَّن مصارِف الخُمس، ثمَّ بيَّن المعنى فيه، وهو أنْ لا يكون شيء فيه دُولةً بين الأغنياء تتداوله أيديهم، واسم ذوي القربى عام يتناول الأغنياء والفقراء، فيخصُّه، فَنحمله على الفقراء بهذا الدَّليل. ومَن قال: لا حقَّ للفقراء والأغنياء منهم جميعًا قال (٤): المراد بالآية بيان جواز الصَّرف إليهم، لا بيان وجوب الصّرف إليهم؛ وكان هذا مشكلًا، فإنَّ الصدقة لا تَحلُّ لهم، فكان يُشكل أنَّه هل يجوز صرف شيئًا مِن الخُمُس إليهم؟ ولم يزُلْ هذا الإشكال بِبَيان سَهم رسول الله -عليه الصلاة والسلام- لأنَّه ما كان يصرِف ما كان يأخُذ إلى حاجة نفسه، فأزال الله تعالى هذا الإشكال بقوله: {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الحشر: ٧]. وإنَّما حملنا على هذا لِإجماع الخلفاء الرَّاشدين (٥) -رضي الله عنهم- على قِسمة الخُمُس على ثلاثة أسهُم، ولا يُظَنّ بهم أنَّه خَفي عليهم هذا النَّصّ، ولا أنَّهم منعوا حقَّ ذوي القربى؛ فعرفنا بإجماعهم أنَّه لم يبقَ استحقاق لأغنيائهم وفقرائهم.


(١) ينظر الإقناع للماوردي (ص: ١٧٧)، الحاوي الكبير (٨/ ٤٢٩)، المجموع شرح المهذب (١٩/ ٣٦٩).
(٢) هو أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الأزديّ الطحاوي، أبو جعفر: فقيه انتهت إليه رئاسة الحنفية بمصر، وتفقه على مذهب الشافعيّ، ثم تحول حنفيًا. توفي ٣٢١ هـ. ينظر تاريخ الإسلام ت بشار (٧/ ٤٣٩)، سير أعلام النبلاء (١٥/ ٢٧)، طبقات الحفاظ للسيوطي (ص: ٣٣٩).
(٣) المبسوط للسرخسي (١٠/ ٩).
(٤) في (ب) "فإن".
(٥) ينظر: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (٣/ ٤٢٤)، والسير الصغير ص: ٩٤.